لقد نجح أجدادنا بالفطرة في بناء بيوت بتصاميم مستدامة Sustainable ومواد صديقة للبيئة Eco-friendly حيث استخدموا مواد من البيئة الصحراوية مثل الطين والتبن وشجر الأثل لتتوافق مع احتياجاتهم وتلائم المناخ المحيط بهم. كانت تلك البيوت توفر العزل الحراري المثالي، فتحافظ على البرودة في فصل الصيف وتوفر الدفء في الشتاء. لم تكن هذه التصاميم عشوائية، بل كانت نابعة من فهم عميق للبيئة والموارد الطبيعية المتاحة. اعتمدوا على الطين والتبن كمكونات أساسية، حيث يمتاز الطين بقدرته على امتصاص الرطوبة وتنظيم درجات الحرارة، بينما كان استخدام التبن يساهم في تعزيز صلابة الجدران وتوفير مزيد من العزل. كما تم استخدام شجر الأثل لدعم الأسقف وإضفاء مزيد من القوة على الهيكل. لم يتوقف الإبداع عند المواد المستخدمة فحسب، بل ظهر أيضًا في توظيف أشعة الشمس والظل واتجاهات الهواء خلال فصول السنة. فقد صُممت البيوت بحيث تستفيد من التيارات الهوائية الباردة في الصيف، وتوفر حماية من الرياح الباردة في الشتاء. كما حرصوا على تنويع استخدام فراغات المنازل لتلائم احتياجاتهم المختلفة على مدار اليوم. ففي الصباح، كانوا يجلسون في «المشراق» للتنعم بأشعة الشمس الصباحية، بينما كانت الغرف الداخلية مثل «القهوة» مخصصة للجلسات الشتوية مع «شبة الوجار». أما في الليالي الصيفية الحارة، فكان السطح مكانًا مفضلًا للنوم. هذه البيوت ليست مجرد معمار، بل إنها موروث ثمين وخلاصة خبرات عريقة في بيوت الطين التي تكيفت مع الطبيعة الصحراوية الصعبة، مع الحفاظ على الخصوصية وفق العادات والتقاليد، وهو ما يعكس عبقرية أجدادنا في التكيف مع بيئتهم وتحقيق الراحة والاستدامة. وقد أولى خادم الحرمين الشريفين اهتمامه بضرورة المحافظة على هذا الإرث العظيم، فكان الطراز النجدي نقطة انطلاق لمفهوم «الطراز السلماني» الذي يجمع بين الأصالة والحداثة. وتجسدت توجيهاته ضمن رؤية المملكة 2030 التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في أهمية تعزيز الهوية الوطنية وتطوير مشاريع مستدامة تحترم التراث وتواكب التطور، ليصبح هذا الطراز رمزًا للتكامل بين الماضي العريق والحداثة، ويعكس هوية المملكة ويبرز موروثها الثقافي الأصيل في المشاريع العمرانية. * عضو الهيئة السعودية للمهندسين المشراق القهوة في المجلس الشتوي قصر سلوى الدرعية م. مشاعل العيدان *