تعد المملكة واحدة من أكبر الاقتصادات في منطقة الشرق الأوسط، وأحد أبرز اللاعبين في الاقتصاد العالمي، إذ تُصنف ضمن أقوى 20 اقتصاداً عالمياً، بفضل احتياطاتها الضخمة من النفط والموارد الطبيعية، وتنوع استثماراتها الدولية في مختلف القطاعات، التي تعد عنصراً رئيساً في تعزيز مكانة المملكة الاقتصادية وتعزيز الدور الفاعل لها في الأسواق العالمية. حجم الاستثمارات في الخارج في عام 2023، بلغ إجمالي الاستثمارات السعودية في الخارج حوالي 600 مليار دولار، حيث تعد الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة والدول الأوروبية من أبرز الوجهات الاستثمارية للمملكة، كما تساهم المملكة في العديد من الأسواق الآسيوية والناشئة، بما في ذلك الصينواليابان وأفريقيا، وتمثل هذه الاستثمارات جزءاً مهماً من رؤية المملكة 2030، التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل وتقليص الاعتماد على النفط، وتشكل الاستثمارات السعودية في الولاياتالمتحدة جزءاً كبيراً من هذه الحصيلة، حيث بلغت نحو 200 مليار دولار في القطاعات المختلفة، أبرزها القطاع العقاري والأسواق المالية. وأظهرت بيانات صندوق الاستثمارات العامة السعودي عام 2022، أن المملكة استثمرت حوالي 160 مليار دولار في الأسواق المالية الأمريكية، إلى جانب استثمارات أخرى في شركات التكنولوجيا، الطاقة المتجددة، والرعاية الصحية، ويعتزم الصندوق زيادة هذه الاستثمارات بشكل ملحوظ في المستقبل، خاصة في القطاعات المستقبلية مثل الذكاء الصناعي. وأظهرت بيانات الربع الثالث من العام الماضي، أن الصندوق الذي يدير أصولاً تقترب قيمتها من تريليون دولار، كما زاد ملكيته في الأسهم الأمريكية إلى 26.7 مليار دولار، وهو ارتفاع بنحو ستة مليارات دولار عن الربع الثاني من العام ذاته، كما زادت المملكة من حيازتها من سندات الخزانة الأمريكية في أكتوبر الماضي إلى أعلى مستوى في أربع سنوات، وتزايدت استثمارات السعودية في سندات الحكومة الأمريكية، حيث يمتلك المركزي حالياً سندات خزانة بقيمة 144 مليار دولار. استحقاقات التعاون المشترك تنتظر الرياض وواشنطن خلال السنوات الأربعة المُقبلة العديد من الاستحقاقات في مجالات التعاون المُشتركة الهامة المُتفق عليها مُسبقًا، وفي مقدمة تلك المجالات الصناعات العسكرية، استكشاف الفضاء، تطوير استخدامات الذكاء الاصطناعي، تطوير الطاقة النووية وغيرها؛ وهو ما يتوقع أن يتم في ضوء استثمارات ثنائية مُشتركة بين القطاع الخاص في كلا البلدين بمليارات الدولارات بما يُحقق المصالح المُشتركة للجانبين. وجاء تركيز اتصال صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء – حفظه الله - بالرئيس ترمب على بحث سبل التعاون بين البلدين، لإحلال السلام والأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، إلى جانب تعزيز التعاون الثنائي لمحاربة الإرهاب، يأتي تأكيدًا لأهمية العمل بين الدولتين في تعزيز الأمن والسلم الدوليين. الاستثمارات في الصينواليابان على صعيد آخر، تشهد الاستثمارات السعودية في الصين نمواً كبيراً، حيث بلغت حوالي 50 مليار دولار، مع تركيز خاص على مشاريع الطاقة المتجددة والمعادن. ويشمل هذا الاستثمار قطاع الذكاء الصناعي والتقنيات المتقدمة التي تمثل مستقبل الاقتصاد العالمي، ويعتقد الخبراء أن هذا الرقم سيزداد بنحو 25% بحلول 2030، ما يعزز التبادل التجاري بين البلدين ويوفر فرصاً كبيرة في المجالات التكنولوجية والبحث العلمي، وتمتد العلاقات بين السعودية والصين إلى أكثر من ثمانية عقود، شهدت خلالها تطورًا مطردًا ومستمرًا في التعاون بين البلدين، إلى أن توّجت باتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة، التي وقّعها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - أيده الله - والرئيس الصيني شي جين بينغ خلال زيارته الرسمية إلى المملكة في ديسمبر 2022م، مما نقل العلاقات إلى مسار متمايز من التعاون في تحقيق مصالحهما. وانعكس المستوى الجديد للعلاقات بين الرياض وبكين على مختلف المجالات، ومن بينها مجال الاستثمار، حيث بلغت قيمة الاستثمارات الصينية في المملكة 16.8 مليار دولار في عام 2023م، مقارنة باستثمارات بقيمة 1.5 مليار دولار خلال عام 2022م، بينما بلغت الاستثمارات السعودية في الصين 75 مليار ريال. وتجلّت مظاهر التقارب بين المملكة والصين، والمنبثق من الشراكة الاستراتيجية بينهما؛ في دعم الصين لمبادرة "الشرق الأوسط الأخضر" التي أطلقها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء - يحفظه الله - في مارس عام 2021م، وفي ترحيب الصين بانضمام المملكة إلى مبادرة التنمية العالمية، التي اقترحها الرئيس الصيني شي جين بينغ؛ لتوجيه التنمية العالمية نحو مرحلة جديدة من النمو المتوازن والمنسق والشامل، وتسريع تنفيذ أجندة العام 2030، وتحقيق الأهداف التنموية المنشودة. ويمثل التعاون في مجال التعليم أحد أبرز ثمار الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الرياض وبكين، فقد أدرجت السعودية اللغة الصينية في مناهجها التعليمية، واستقطبت 171 معلمًا صينيًا لتدريس اللغة الصينية خلال العام الدراسي الحالي 2024م، وابتعث 100 معلم ومعلمة للصين للحصول على درجة الماجستير في تدريس اللغة الصينية. أما في اليابان، فتستثمر المملكة ما يقارب 30 مليار دولار في الصناعات التكنولوجية المتقدمة مثل السيارات والروبوتات، ومن المتوقع أن يرتفع حجم الاستثمارات في اليابان إلى 50 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، لتلبية احتياجات المملكة في تحقيق تطلعاتها الصناعية وتنمية القطاع التكنولوجي المحلي. الاستثمارات السعودية في أفريقيا تسعى المملكة إلى توسيع نطاق استثماراتها في أفريقيا عبر تخصيص 15 مليار دولار لعدد من المشاريع الكبرى، التي تشمل قطاعات الزراعة، الطاقة والمعادن، وتدعم هذه الاستثمارات الاستراتيجية الرغبة السعودية في تعزيز نمو الاقتصادات الأفريقية واستغلال الفرص المتاحة في هذه الأسواق الواعدة. من أبرز المشاريع السعودية في أفريقيا استثمارات في الطاقة المتجددة، لا سيما في القرن الأفريقي، التي تسهم في تحقيق التنمية المستدامة في المنطقة، وأظهرت البيانات الصادرة عن منصة "ماجنيت"المتخصصة في رصد بيانات الشركات الناشئة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن قيمة الاستثمار الجريء في السعودية بلغت نحو 1383 مليون دولار خلال عام 2023، مرتفعة بنحو 33 % عن عام 2022. وبحسب تقرير عن الاستثمار الجريء في المملكة للعام 2023، بلغ عدد الصفقات التي تمت 125 صفقة، حيث أفاد التقرير بأن هذه الزيادة في قيمة الاستثمار الجريء، أدت إلى رفع حصة المملكة من إجمالي قيمة الاستثمار الجريء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من 30 % في العام 2022 إلى 52 % في العام 2023، حيث استثمرت المملكة عبر صندوق الاستثمارات العامة، مليارات الدولارات في قطاعات واعدة بالعديد من الدول الإفريقية أبرزها مصر والسودان. وتعمل المملكة على اقتناص الفرص الاستثمارية في إفريقيا، وشهد العام المنصرم تأسيس عدد من صناديقِ الاستثمارات العامة في عدة دول، كان أولها تأسيس الشركة السعودية المصرية للاستثمار في أغسطس 2022، وتهدف الشركة السعودية المصرية، الاستثمار في عدد من القطاعات الرئيسة الواعدة بمبلغ يقدر ب5 مليارات دولار، حيث استحوذت الشركة على حصص أقلية بقيمة 1.3 مليار دولار في أغسطس الماضي، في الوقت الذي تم الإعلان فيه عن قيام صندوق الاستثمارات العامة بتأسيس 5 شركات إقليمية في كلّ من الأردن، والبحرين، والعراق، وسلطنة عُمان، والسودان، باستثمارات مستهدفة تصل إلى 24 مليار دولار عبر مختلف القطاعات، من ضمنها البِنية التحتية، والتطوير العقاري، والتعدين، والرعاية الصحية، والخدمات المالية، والأغذية والزراعة، والتصنيع، والاتصالات والتقنية، وغيرها من القطاعات الاستراتيجية. آثار الاستثمارات على الاقتصاد الوطني تعود الاستثمارات السعودية في الخارج بفوائد كبيرة على الاقتصاد الوطني، حيث تساهم في رفع الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بنسبة تتراوح بين 2-4% سنوياً، كما توفر فرصاً كبيرة للشركات السعودية في الدخول إلى أسواق جديدة وتوسيع دائرة التبادل التجاري، مما يؤدي إلى تعزيز قدرة المملكة على مواجهة التقلبات الاقتصادية العالمية، كما تساهم في خلق فرص العمل داخل المملكة في القطاعات التكنولوجية والصناعية، وتحسين كفاءة سوق العمل السعودي. تعد هذه الاستثمارات عاملاً مهماً في تحقيق أهداف رؤية السعودية 2030، إذ يهدف صندوق الاستثمارات العامة إلى زيادة الاستثمارات الدولية؛ لتوفير فرص استثمارية جديدة تساهم في تحسين البنية التحتية المحلية، وتطوير القطاعات الحيوية مثل التقنية، الصحة، والطاقة. وعلى الصعيد السياسي، تعد الاستثمارات الخارجية السعودية أداة هامة في توسيع النفوذ السياسي والدبلوماسي للمملكة، حيث أن تعزيز التعاون الاقتصادي مع الدول الكبرى مثل الولاياتالمتحدةوالصينواليابان يؤكد على مكانة المملكة كلاعب رئيس في الساحة العالمية، كما تساهم هذه الاستثمارات في دعم السياسات الخارجية السعودية، وتعزيز العلاقات مع دول أخرى في مختلف أنحاء العالم، خاصة في إفريقيا وآسيا. التحديات المستقبلية ورغم أن الاستثمارات السعودية الخارجية لها تأثيرات إيجابية على الداخل، إلا أن هناك تحديات عدة يجب على المملكة مواجهتها، أبرز هذه التحديات، التوازن بين الاستثمار في الخارج وضرورة تطوير البنية التحتية المحلية، وتشجيع الاستثمارات المحلية في القطاعات الاستراتيجية،وتظل مسألة تنمية الموارد البشرية المحلية أمرًا أساسيًا لضمان استفادة المملكة من العوائد المالية لهذه الاستثمارات في شكل نقل للمعرفة، التوظيف، والتدريب. لقد أصبحت الاستثمارات السعودية في الخارج مكوناً أساسياً في تعزيز الاقتصاد الوطني وتحقيق التنوع الاقتصادي المنشود، حيث حققت المملكة تقدماً ملموساً في توسيع نفوذها الاقتصادي والسياسي، ورغم التحديات، فإن التحول نحو استثمار أكبر في القطاعات التكنولوجية والصناعية المحلية، سيسهم في تحقيق التنمية المستدامة وخلق فرص جديدة للسعوديين في المستقبل. المملكة ترتبط مع أميركا والصين باستثمارات كبرى وطويلة الأمد الذكاء الاصطناعي لغة العصر وجزء كبير من استثمارات المستقبل مشروعات الطاقة المشتركة مع دول كبرى تنال حظها من توجهات الاستثمار