امتلك الفنان الراحل "سمير الدهام" على المستوى الإنساني (سمات إنسانية رهيفة) مثل دماثة الخلق والنقاء والتواضع والإقبال ومساعدة الآخر، (وسمات فنية) تتمثل في البلاغة التعبيرية والرصانة في تكثيف المعاني، وتدفق الوجدانيات خلال شحناته الانفعالية النابضة برؤية معاصرة تعبر عن فلسفته الخاصة، لشحذ حالة فنية تصدر سحر الشرق، وتطلق أثراً بلاغياً وإبداعياً على المتلقي، روافده (استلهام الإرث الديني والثقافي للمملكة وبيئة البادية) كركيزة ومرجعية تاريخية وثقافية أصيلة تتضمن آفاقاً إبداعية تترجم بصرياً عبر تفاعل مع الأسطورة ليسبح بخياله نحو خصوصية الشكلانية والبنائية الرصينة والتفاصيل التي تعزز انسجام الصياغات التعبيرية التجريدية، كنبض وصدى حداثي لإيقاع العصر وعالمية فنه. ويعتبر "سمير الدهام" من جيل الرواد النابهين في إثراء المشهد البصري السعودي، عبر عطاء فريد من الأطروحات الفنية الملهمة، وتأسيس تركيبات تكوينية ذات هوية تترجم في دقة وصدق موضوع العمل ونصه الأدبي من خلال الطاقات التعبيرية، ليس عن طريق إعادة التراث نفسه بل استيعاب هذا الموروث، وإعادة الصياغة والتنظيم الفلسفي المعاصر الذي يعكس روح وسحر الشرق، وخصوصية الرؤية والهوية الفنية التي تنحو عن التقليد الاتباعي، باستدعاء (الإرث الكنيز للمملكة والطبيعة الثرية والحاضر الجلي) كمصادر وممكنات الإلهام لمخيلته الإبداعية، والتعبير بصدق مكين عما يختلج بداخله من أحاسيس ومشاعر. ولأن "سمير الدهام" متفرد بتشعب المجالات ما بين (الطرح الفني - والعطاء الصحفي) برسومه الرمزية الصحفية والمصاحبة للقصص والقصائد الشعرية، فقد تمتع "الفنان" بقدرة على بلورة المفاهيم، والاتجاه لآفاق تعبيرية، واستثارة الأحاسيس الذاتية للمشاهد، بديلاً عن الاهتمام ببناء التكوين وصياغة العناصر في توازن لتحقيق مؤثرات بصرية موحية بالحركة، والاستجابة لمضمون العمل، في توحد وانسجام روحاني يشع نغمات موسيقية، يعزف خلالها الفنان تقاسيم ومقامات موسيقية، وغنائيات لونية صداحة تحتفظ بتوازن الطاقات داخل العمل والدينامية البصرية والروحانية، عبر الحركة الدؤوب البصرية للألوان والأشكال، والتي تمثل انعكاساً مباشراً للعمق الحضاري السعودي والتقاليد العربية. وكما يفعل المدون الذي يشخص ويقص، والحالم الذي ينسج خواطره، سطر الفنان تمثيلاً بصرياً كوسيلة وخطاب وهوية لمجتمعه وبيئته وثقافته، إمعاناً منه في دور البيئة في وسم هذه الهوية من خلال ما تطرحه من وسائط يوظفها الفنان لإنجاز عمله الفني، في إطار تجربة تطرح للمتلقي التعريف التفسيري والتحليلي للفن، وتعضيد الهوية، وتثقيف المجتمع ودعم الثقافة المجتمعية، عبر معانٍ ورمزيات مدلولية تعززها الوسائط والتقنيات التي تفند الخطاب البصري، لتعضيد أحاسيس متسامية. * الأستاذ في قسم الفنون البصرية والرقمية المساعد