تبدو هذه العبارة كصرخة سياسية تعكس واقعا معقدا في الساحة الأميركية، حيث لا يقتصر الأمر على فوز دونالد ترمب أو فشل باراك أوباما في حملته ضد الأول، بل يعكس تحولا أعمق في المشهد السياسي الذي أثر على الولاياتالمتحدة والعالم -وخصوصا- الشرق الأوسط في هذا السياق، لا يمكن اعتبار الخسارة مقتصرة على كامالا هاريس أو جو بايدن أو الحزب الديمقراطي بشكل عام، بل إن الخاسر الأكبر هو باراك أوباما نفسه الذي لطالما ارتبط إرثه السياسي بمسار الأحداث في الشرق الأوسط وخارجها. عندما نتحدث عن أوباما، نتحدث عن شخصية سياسية أثارت الكثير من الجدل، فهو لم يكتف بما فعله خلال فترة رئاسته، بل استمر في ممارسة النفوذ من خلف الكواليس بعد مغادرته البيت الأبيض، كان تأثيره مستمرا حتى في فترة بايدن، وهو كذلك كان يمارس التخطيط والدعم لفوز كامالا هاريس. في الواقع، فإن باراك أوباما هو الرئيس الأميركي الوحيد الذي لم يبتعد عن السلطة بعد فترتين من حكمه، بل إننا نجد أنفسنا نتحدث عن إمكانية استمراره في السلطة لمدة تصل إلى ستة عشر عاما إذا ما أتيح لبايدن الاستمرار في الحكم، أو صعود هاريس بعده. تتكون هذه الفرضية من حساب بسيط، فثماني سنوات من رئاسة أوباما، تضاف إليها أربع سنوات من فترة بايدن، ثم أربع سنوات أخرى كانت محتملة في حال فازت هاريس، تجعل من أوباما شخصية محورية في السياسة الأميركية لعقود عديدة، وبالتالي استشراء إرثه أو عقيدته السياسية في منطقتنا، وهذا ما يجعل من أوباما ليس مجرد رئيس سابق، بل شخصية لا تزال تلعب دورا رئيسيا في توجيه السياسة الأميركية، خصوصا فيما يتعلق بالشرق الأوسط. فريق أوباما الذي كان معه خلال فترة رئاسته، لا يزال له تأثير قوي، فهو فريق يواصل دعم عقيدة أوباما الشهيرة، التي تتعلق بتقسيم الشرق الأوسط وتوجيه السياسات الأميركية نحو المنطقة. لا يمكننا الاستخفاف بأوباما، فهو ليس فقط شخصية سياسية بارزة بل هو أيضا شخصية خطيرة عندما يكون داخل البيت الأبيض، ولكنه قد يكون أكثر خطورة عندما يكون خارجه، فالرجل يمتلك شبكة علاقات واسعة وتأثيرا قويا على الساحة السياسية، ما يجعله قادرا على التأثير في الأحداث من وراء الكواليس. إن التحليل حول فوز ترمب وسقوط أوباما لا ينتهي عند حدود النتائج الانتخابية، بل يعكس تحولات عميقة في السياسات الأميركية، ويطرح تساؤلات حول مستقبل الحزب الديموقراطي بقيادة أوباما فالخسارة التي تعرض لها الرجل بخسارة هاريس وصعود ترمب ليست مجرد خسارة سياسية، بل تمثل نهاية حقبة -ولو بشكل مؤقت- من العقيدة الأوبامية التي اتسمت بالعنفوان والتحدي والعبثية، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط، وقد يعاد فتح الأبواب عند استئناف مرحلة جديدة من التغيرات السياسية بعد انقضاء مرحلة ترمب.