في الوقت الذي تسعى فيه المدن حول العالم للارتقاء بجودة الحياة، وتقديم بيئات حضرية متطورة، تأتي السعودية بخطوة جريئة وملموسة من خلال مبادرة "شهادة امتثال المباني" التي أطلقتها وزارة البلديات والإسكان، وهي حسب منظوري ليست مجرد إجراء تنظيمي، بل أداة فاعلة تهدف إلى تحسين مظهر المباني والشوارع، والحفاظ على هوية المدن والارتقاء بتصنيفها الدولي. تعاني العديد من المدن من التشوهات البصرية التي تقلل من جماليتها وتؤثر سلبًا على جاذبيتها، وتشمل هذه المشكلات وحدات التكييف الظاهرة، وترك الأسلاك والتمديدات مكشوفة، ووجود الكتابات المخالفة والملصقات الإعلانية القديمة، وجميع هذه المشاهد التي تكون مزعجة رؤيتها وتخلق صورة سلبية عن مدننا، ومن هنا تأتي أهمية "شهادة امتثال المباني"؛ لضمان التزام المُلاك بمعايير واضحة تحافظ على الشكل الحضري وتجعل المباني والمدن أكثر انسجامًا وتناسقًا. تُعد شهادة "الامتثال" خطوة جوهرية للتصدي لهذه المشكلات، فهي تشترط خلو المبنى من نحو 19 مخالفة بصرية تؤثر على المظهر العام، مثل عدم تنفيذ ممرات لذوي الإعاقة، أو وجود تشققات في الواجهات، وهي اشتراطات ليست معقدة على الإطلاق، ولكن تأثيرها كبير على تحسين مشهدنا الحضري، إذ تضمن أن يكون كل مبنى جزءًا من نسيج مدني متناسق وجميل. مما لا شك فيه أن تحسين المدن وجعلها أكثر جذبًا هو جزء من رؤية السعودية 2030، التي تسعى إلى تعزيز مكانة المملكة عالميًّا، لذا يأتي تحسين المشهد الحضري على رأس هذه الأهداف، فوزارة البلديات والإسكان تسعى من خلال إستراتيجياتها إلى رفع تصنيف المدن السعودية في مؤشرات أفضل المدن العالمية، وهو أمر ليس يسيرًا بالطبع، ولكنه ليس مستحيلًا أيضًا، حيث يتطلب تكاتف الجهود الرسمية والمجتمعية، وهنا تكمن أهمية هذه الشهادة؛ لأن لها تبعات مستقبلية إيجابية على جمالية مدننا. المسؤولية هنا تقع على عاتق مُلاك العقارات؛ فإصدار الشهادة ليس مجرد التزام قانوني، بل هو واجب اجتماعي يُسهم في تحسين البيئة العامة، وعندما يمتثل صاحب كل مبنى بالمعايير، فإنه يُسهم بشكل مباشر في تحسين مظهر الحي والمدينة عمومًا، مما يعزز من القيمة الاقتصادية للعقار، ويرفع من مستوى جودة الحياة في المملكة وراحة السكان والزوار من الداخل والخارج. أخيرًا، يعتمد نجاح هذه المبادرة على وعي المجتمع بمدى أهمية الامتثال، وعلى المُلاك ضرورة الالتزام بإصدار الشهادة من أجل مستقبل أفضل لمدننا السعودية، والإسهام في جعلها من بين الأفضل عالميًّا في تصنيف المدن الحضرية.