في إحدى الأمسيات الثقافية تطرّق صديقي إلى أنه كان محتارا ذلك المساء أين يذهب، إذ كان هناك أكثر من فعالية بين ثقافية وفنية وترفيهية لكنه اختار هذه الأمسية الثقافية التي التقيته فيها، ثم تحدثنا عن الحياة الجديدة في بلدنا والتي تحولت من كبت إلى متنفس دون أن تسقط كسف السماء ولا تنشق الأرض أو كما يقول البدر -رحمه الله- "لا طاحت نجوم السماء ولا تاه في الظلما قمر". تذكرت حينها فقرة "أين تذهب هذا المساء"؟! ففي السابق، كانت الحياة الثقافية والترفيهية في السعودية محدودة للغاية، وكانت الخيارات المتاحة أمام السكان ضئيلة. كان يُنظر إلى الفعاليات الثقافية والفنية في الدول المجاورة بعين الغبطة، حيث كانت تُعرض في الصحف الإقليمية وتُناقش في القنوات العربية من خلال فقرة «أين تذهب هذا المساء". قائمة تُظهر لهم مجموعة من الخيارات المتنوعة، بدءًا من المسارح والسينما وصولًا إلى الحفلات والمهرجانات. بينما كان السعوديون يشعرون بالأسى لعدم وجود خيارات مماثلة في بلادهم، مما جعل أوقات الفراغ محدودة، حيث كانت الأنشطة المتاحة تقتصر غالبًا على الخروج إلى البراري في الأوقات المعتدلة أو البقاء في المنازل خلال الأجواء الحارة. ومع الوقت، بدأت المملكة في اتخاذ خطوات هامة نحو تغيير هذا المشهد، لنشهد تحولًا كبيرًا في السياسة الثقافية والترفيهية، حيث أصبحت الخيارات متعددة وغنية. أصبح المواطنون الآن يتمتعون بفرص متنوعة للترفيه والاستمتاع، مما يضعهم في حيرة من أمرهم حول أي الفعاليات يختارون؟. تتنوع الفعاليات الحالية بين المسرحيات، الحفلات الموسيقية، المعارض الفنية، والمهرجانات الثقافية وغيرها، مما يعكس رغبة المملكة في تعزيز الحياة الثقافية وتقديم تجارب فريدة لعموم السكان والزائرين. بالإضافة إلى ذلك، تم تخفيف القيود الاجتماعية التي كانت تعيق بعض الأنشطة الثقافية. لقد أصبحت الفعاليات تُنظم بشكل مؤسسي احترافي، مما يتيح للجمهور الفرصة للاستمتاع بمجموعة متنوعة من الأنشطة. كما أن الدولة تدعم الفنون والمبدعين، مما يعزز من فرص ظهور مواهب جديدة ويشجع على الابتكار في المجالات الثقافية. ومع هذا التغيير الإيجابي، تضاءلت المخاوف التي كانت تسيطر على البعض بشأن تأثير هذه الفعاليات على المبادئ الدينية والقيم الثقافية. أصبح هناك وعي متزايد بأن الفنون والثقافة لا تتعارضان مع القيم، بل يمكن أن تكون وسيلة لتعزيز الهوية الوطنية وتعميق الفهم الثقافي. يُنظر الآن إلى الفعاليات الثقافية كفرصة للتواصل والتفاعل بين الإنسان السعودي والآخر سواء في الداخل أو الخارج، مما يسهم في تعزيز الروابط الاجتماعية. هذا التحول في المشهد الثقافي والترفيهي أسهم في تغيير نمط الحياة اليومية للسعوديين والمقيمين. لقد أصبح من الطبيعي الآن أن تجد عائلات تتجه نحو المسارح لحضور العروض أو إلى الفعاليات الموسيقية للاستمتاع بالفن. هذه الأنشطة لا تقتصر فقط على الفئات الشبابية، بل تشمل جميع الأعمار، مما يعكس رغبة المجتمع في التفاعل مع الفنون والثقافة مع الحفاظ على القيم الثقافية والدينية. النتيجة الظاهرة الظريفة، أنه أصبح سكان الدول المجاورة والعربية، الذين كنا نغبط خياراتهم الترفيهية، يتقاطرون إلى بلادنا للاستمتاع بتجارب ثقافية وترفيهية متنوعة ليجدوا أنفسهم أمام قوائم من الفعاليات أطول من قائمتهم السابقة، تحمل عنوان «أين تذهب هذا المساء"!