في عالم يتسم بالتغير السريع، لم تعد المهارات التقليدية كافية لضمان النجاح في سوق العمل. مع التقدم التكنولوجي وتطور أساليب العمل، أصبح من الضروري إعادة تقييم المهارات التي يحتاجها الأفراد لمواكبة هذه التغيرات المستمرة. لذلك، تمثل "خارطة المهارات المستقبلية" استراتيجية حيوية تضمن للأفراد والشركات الاستعداد لعالم متغير وديناميكي. وفقًا لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي، يُتوقع أن يحتاج ما يقارب نصف القوى العاملة حول العالم إلى إعادة تدريب أو اكتساب مهارات جديدة بحلول عام 2025. هذا يسلط الضوء على ضرورة وجود رؤية شاملة تواكب هذه التغيرات، مع الثورة الصناعية الرابعة، التي تعتمد بشكل كبير على تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي، البيانات الضخمة، وإنترنت الأشياء، تتزايد أهمية المهارات غير التقليدية التي تتطلب فهمًا عميقًا للتكنولوجيا وقدرة على التكيف مع المتغيرات. تُعتبر المهارات التقنية محورًا أساسيًا في خارطة المهارات المستقبلية. تسعى الشركات حاليًا إلى توظيف أفراد يمتلكون مهارات في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات. على سبيل المثال، أطلقت سنغافورة برنامج "Skills Future"، الذي يتيح للأفراد اكتساب المهارات الرقمية اللازمة لمواكبة التحولات التكنولوجية. يسعى هذا البرنامج إلى تأهيل المجتمع لمواجهة تحديات المستقبل وتعزيز القدرة التنافسية، مما يساهم في رفع مستوى الابتكار في مختلف القطاعات. إلى جانب المهارات التقنية، تبرز أهمية المهارات الشخصية مثل التفكير النقدي، والإبداع، والتواصل الفعال، دراسة من جامعة هارفارد أوضحت أن 85 % من النجاح المهني يعتمد على هذه المهارات. تقدم فنلندا نموذجًا تعليميًا يُركز على تعزيز التفكير النقدي والإبداع، مما يساعد الطلاب على اكتساب المهارات اللازمة لمواجهة تحديات المستقبل. قد تصبح المهارات المكتسبة اليوم غير كافية غدًا. لذلك، يتعين على الأفراد تبني مفهوم التعلم مدى الحياة لضمان قدرتهم على التكيف مع التغيرات. تقرير من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) يشير إلى أن الأفراد الذين يستمرون في التعلم وتحديث مهاراتهم يمتلكون فرصًا أفضل للحفاظ على وظائفهم. في ألمانيا، تقدم برامج التدريب المستمر التي تتيح للعاملين تحديث مهاراتهم، مما يُعزز من مرونة الاقتصاد الألماني ويساعد على تقليل معدلات البطالة. ومع ذلك، يواجه تطبيق هذه الرؤية العديد من التحديات. يُعد التمويل إحدى أكبر العقبات، حيث يتطلب تطوير التعليم وإعادة تأهيل القوى العاملة استثمارات ضخمة. بالإضافة إلى ذلك، تشكل الفجوة الرقمية بين الدول المتقدمة والدول النامية عائقًا كبيرًا، إذ تفتقر الكثير من الدول النامية إلى الموارد اللازمة لتقديم البرامج التدريبية الحديثة. يجب على الدول والمجتمعات الدولية العمل معًا لتوفير الموارد والدعم اللازم لمواجهة هذه الفجوات. في إطار رؤية السعودية 2030، وضعت المملكة تطوير المهارات المستقبلية على رأس أولوياتها، حيث سعت إلى تعزيز قطاع التعليم والتدريب في المجالات التقنية من خلال برامج تستهدف تأهيل الشباب لمتطلبات سوق العمل، يُعتبر برنامج "تنمية القدرات البشرية" جزءًا من هذه الرؤية، حيث يركز على تطوير المهارات الرقمية والابتكار. كما أطلقت السعودية مبادرات لدعم الابتكار وريادة الأعمال، مثل "مبادرة السعودية الرقمية"، التي تهدف إلى تعزيز قدرات القوى العاملة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة. تسعى هذه المبادرات إلى تمكين الشباب السعودي من المنافسة على مستوى عالمي وتعزيز مكانة المملكة كقوة اقتصادية تعتمد على المهارات المستقبلية. إضافة إلى ذلك، تمثل التجارب المحلية الناجحة في المملكة تجسيدًا لهذه الرؤية. على سبيل المثال، يمكن الإشارة إلى برامج تعليمية وتدريبية تقدمها الجامعات السعودية والكليات التقنية التي تركز على دمج المهارات التقنية مع المهارات الشخصية، مما يسهم في تخريج جيل متمكن ومرن يستطيع مواجهة تحديات المستقبل. إن خارطة المهارات المستقبلية تمثل استراتيجية حيوية تضمن النجاح في عالم متغير، من خلال تطوير المهارات التقنية والشخصية وتعزيز التعلم المستمر، يمكن للأفراد والشركات والدول تحقيق الاستدامة والتميز في سوق العمل. تُعتبر المملكة العربية السعودية، من خلال رؤية 2030، نموذجًا يُحتذى به في استشراف المستقبل، حيث تركز على تطوير المهارات التي تتماشى مع التحولات العالمية، مما يُعزز من فرصها لتحقيق مستقبل مزدهر ومستدام للجميع. * عضو مجلس الشورى لجنة التعليم والبحث العلمي