على مر التاريخ في الجزيرة العربية شكلت الإبل أبعاداً ثقافية واقتصادية مهمة وكان لها حضور وافر ضمن كل الأنساق الاجتماعية المختلفة، وما كان حاضراً في تلك الفترات المختلفة يمكن أن يوظف الآن ضمن أنشطة ثقافية وبرامج مجتمعية مع استشراف لأفق المستقبل لتحقيق جوانب ثقافية واقتصادية، وبشكل يتواكب مع المرحلة ومع تطلعات وزارة الثقافة وكذا رؤية الوطن الطموحة، ويمكن مع الاستمرار أن نتجاوز بهما إلى العالمية من خلال توثيق بعض الجوانب الثقافية في المنظمة الدولية اليونسكو كإرث ثقافي وإنساني، أما في الجانب الاقتصادي من خلال تسويقه كمنتج تجاري وعلى أشكال مختلفة ومتنوعة؛ دمى أو تحف أو لوحات جدارية أو ألعاب أطفال أو أشكال زينة وغيرها، يمكن أن تكون في واجهات الاستقبال في الفنادق ومكاتب العلاقات العامة والسفر والسياحة، إن كلا البعدين الثقافي والاقتصادي شكلا في حقب متعددة ما هو كفيل بإغناء الراهن والمرحلة المقبلة التي نتطلع إليها والتي تحفز إليها وزارة الثقافة من خلال مجالات بحثية مرتبطة بهذا الكائن الذي أشار إليها القرآن الكريم بأن ننظر إليه بوعي وفطنة وتأمل كي تصل إلينا حقيقة المعرفة عن هذا الحيوان، وهذه الدعوة لا تزال قائمة إلى يوم القيامة، ما يعني أن الإبل تحمل في كياناتها إعجازاً في الخلق إلى غير ذلك من جوانب معرفية تستحق المزيد من البحث والدراسة، وهذا هو ما دفع الوزارة والقائمين على هذا الشأن إلى إشراك كل المجتمع قبل فترة يسيرة لتقديم الدراسات المختلفة حول الإبل، وحينما تمنح الفرصة الثقافية للجميع فإن ذلك يؤكد وعي المسؤولين الذين أتاحوا المشاركة لكل أطياف المجتمع كون الثقافة في مجملها هي قيم مجتمعية يتشارك فيها الجميع، ومن منطلق القياسات المنطقية والموضوعية نجد أن الإنسان حفل بالإبل وتعايش معها بكل محبة وألفة وحميمية وفاض بمشاعره وتعاطف بوعي مع ملامح الجمال لهذا الكائن، فقد جاءت دعوة السماء إلى النظر بعمق فلسفي للوصول إلى معرفة هذا الكائن من جميع الجوانب. وانطلاقاً من تطلعات رؤية المملكة وتوجهات وزارة الثقافة سوف أتقدم من خلال هذه المقالة بعنصرين اثنين: العنصر الأول ثقافي، وآخر اقتصادي؛ لأننا عندما نعزز الجانب الثقافي ونجعل منه الحضور الوافر في الأروقة الثقافية وضمن الجهات الرسمية وكذا الجهات الخاصة، فإن الجانب الاقتصادي سيكون فاعلاً بشكل تلقائي. العنصر الأول: الجانب الثقافي، لا يخفى على الجميع أن الشعر بوجهيه الفصيح والنبطي تناول الإبل من أوجه مختلفة ومتعددة، ولهذا نقترح أن تقام أمسيات ثقافية تكون متخصصة في الشعر بوجهيه حول الإبل من خلال ندوات متلفزة من قبل مخصصين، إلى جانب ندوات أدبية وملتقيات ثقافية في الأندية الأدبية، وكذا أمسيات الشريك الأدبي، حتى نعزز مفهوم الاسم ليكون حاضراً في ذاكرة الجمع على عهده السابق، وعندما نقول الاسم لا نقصد الاسم المجرد للإبل بل الأسماء والمصطلحات في عمومها وكل التسميات الدقيقة لهيكل الجسم وكل ما يحيط بها؛ على أن نستحضر البعد التاريخي كون الإبل كانت حاضرة ضمن الثقافة العربية، وفي استعادة ذلك البعد يكون حضر الجانب الثقافي بمصطلحات المختلفة، ومن ذلك على سبيل المثال الأسماء التي تجعل من الإبل صفات وسمات مستقلة عن غيرها من الأنواع الأخرى، فكلمة مجاهيم تخص فئة معينة ولها صفات خاصة بها، وهذا الاسم يمكن أن يوظف كملمح ثقافي كما وظف الاسم الذي يقابله في النوع الآخر مغاتير، حيث إن هذا الاسم يستخدم للأنواع البيض من الشماغ السعودي، فيقال الغترة السعودية نسبة لصفة الإبل البيضاء التي تكون ناصعة في البياض، كذلك يمكن أن يستخدم اسم المجاهيم لاسم تجاري تسوق له وزارة الثقافة، على سبيل المثال (مقهى مجاهيم ليل) وهذا سيكون له رسوم تجارية تميزه عن غيره تستوفى بشكل سنوي لأنه صادر بعلامة تجارية وموثق في أفرع وزارة التجارة، ونقيس على ذلك كل ما هو متعلق بالجوانب الثقافية من التسميات ومنها اسم (الوضح وشعل وشقح) وغيرها، كذلك يمكن أن يستغل أسماء أخرى مختلفة تضعها الوزارة ضمن قائمة معينة أو تتشارك مع جهات ذات العلاقة، وعلى سبيل المثال الهودج يمكن أن يستغل كعلامة تجارية باعتبارها ضمن ثقافة تاريخه، كان له أثر اجتماعي كبير تجاه النساء، وهذا يؤكد حق المرأة وعناية المجتمع بها، حيث ستنتقل كعروس من بيت والدها معززة ومكرمة محفوفة بموكب كبير وتكون في أوله، وهذا ما يميزها في أول الركب من خلال الهودج حين تجلس في منصة تنتصب على أحد الجمال الضخمة، ويظهر ذلك الهودج كعرش للعروس الملكة التي توجت داخله، ويلتف حول الهودج قماش بحياكة جميلة ومطرز بألوان زاهية، الأمر الذي يمنح العروس بعداً آخر وحالة احتفالية مغايرة إلى جانب حركة الهودج أثناء سير الإبل، الأمر الذي يمنح الركب حالة غنائية راقصة ويمكن أن يستغل بعد توثيقه وتسجيله والعمل على ذيوعه وانتشاره إعلامياً في بيعه ضمن المستلزمات النسائية كبروش أو علامة تجارية في العبايات وغيرها من الملابس والأزياء، وعلى ذلك نقيس في التسميات والمصطلحات، ويمكن أن تكون كل منطقة تسمي حسب ما هو دارج عندها حتى يحضر الاسم بشكل ثقافي وتجاري، وإيماناً منا بأهمية تفعيل مثل هذه التسميات في كل الأروقة الثقافية والتجارية لتعزيز الفرص الثقافية والاقتصادية المواتية في هذا الصدد يسعدني في هذه المقالة أن أقترح ما أعتقد أنه مواكب لتطلعات وزارة الثقافة من خلال جوانب أرى أنه سوف ينعكس جدواها وأهميتها على هذا الوطن المعطاء في ظل قياده الرشيدة -وفقها الله-، وكذا دعماً لصناعة القرار الذي نأمل أن يحقق المزيد من التجذّر والامتداد نحو العمق الثقافي لتحقيق المزيد من التقدم والنماء والازدهار والوصول إلى العالمية وفقاً لركائز رؤية الوطن الثلاث؛ ولتفعيل مثل هذه الجوانب نظراً لأهميتها بين المجتمع وكذا رغبة الآخر المختلف في معرفة الثقافة العربية وخصوصاً جزيرة العرب كونها شكلت المهد الأول للثقافة العربية وكانت مهداً للحضارات وعند ذلك نكون قد حققنا الرسالة والأهداف؛ الرسالة المتمثلة في تعزيز المعرفة عند المجتمع حول ما تكتنزه الإبل من تاريخ وثقافة عند العرب وخصوصاً الجزيرة العربية والوصول إلى الأهداف البعيدة بطريقة غير مسبوقة لتوظيف الجوانب الاقتصادية التجارية من خلال استثمار النقاط الثقافية وتوظيف سياقات التاريخ التي تهدف إلى العودة للماضي العريق بما فيه مرحلة فتح الرياض وتوحيد هذا الكيان الكبير على يد القائد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه- من خلال الإبل في رحلتها الشاقة ومناخاتها عبر الصحراء الممتدة من الكويت إلى الرياض.. وإلى لقاء. عوضة بن علي الدوسي