يسرق الحراك الثقافي في المملكة العربية السعودية الأضواء لما تشهده المملكة من تطور ملحوظ في السنوات الأخيرة بكل ما يتعلق بالحياة الثقافية من مهرجانات وفعاليات ومبادرات تهدف إلى تعزيز الهوية الثقافية وتعميق الفهم للفنون والآداب. وتعتبر وزارة الثقافة القطاع الأبرز المعني في خلق هذا الحراك وتطويره حيث أصدرت مؤخراً النسخة الخامسة من تقرير «الحالة الثقافية في المملكة العربية السعودية 2023م» تحت عنوان «الاستدامة في القطاع الثقافي»، الذي ترصد من خلاله الحراك الثقافي السعودي خلال العام المنصرم، مع حصر أهم وأبرز تطوراته، ومنجزاته، والتحديات التي تواجهه، وأتاحت الوزارة التقرير لكافة المهتمين على موقعها الرسمي، للاطلاع عليه، حيث يمكن للجميع تحميل نسخة منه، والذي يتضمن ستة فصول هي: الإدارة والصون، والإبداع والإنتاج الثقافي، والمعارف والمهارات، والمشاركة الثقافية، والاقتصاد الإبداعي، والاستدامة في القطاع الثقافي. ويلفت مفهوم الاستدامة في القطاع الثقافي إلى الجهود المبذولة من قِبل مختلف الفاعلين لحماية وصَون التراث الثقافي والطبيعي من أخطار التلف والتدهور والاندثار، والعمل على تعزيز الجدوى الاقتصادية للأنشطة والمهن ذاتِ الصلة بالثقافة والتراث، وتوسيع دائرة المشاركة الثقافية لمختلف فئات المجتمع. وفي هذه النسخة من التقرير يأتي فصلُ الاستدامة امتداداً لهذا الاهتمام، ومُكمِّلاً لما ترصده بقيةُ فصول التقرير، حيث يتركز اهتمام هذا الفصل على العلاقة بين المجال الثقافي والبيئة المحيطة به، تأثُّراً وتأثيراً، لاسيّما في ظل التغيرات البيئية والمناخية التي تشكل خطراً على مختلف أوجه النشاط البشري، ويُسلّط الضوءَ على واقع الاستدامة البيئية في مختلف مكونات القطاع الثقافي؛ مستعرضاً الآثار المحتملة للتغير المناخي على التراث الثقافي، وأبرز المبادرات الساعية إلى التخفيف من هذه الآثار، كما يتناول واقع الاستدامة في القطاعات الثقافية كالأزياء، والعمارة، والتصميم، وفنون الطهي، مُركِّزاً على التحديات التي تحُدُّ من التبنّي الواسع لممارسات الاستدامة، والسبل الممكنة لتعزيزها. يشير تقريرُ الحالة الثقافية منذ نسخته الأولى في عام 2019م إلى دور القطاع الثقافي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة بجوانبها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، حيث يرصد فصلُ الإدارة والصون جهودَ حفظِ وتوثيقِ التراث الثقافي والطبيعي، بينما يرصد فصلُ المشاركة الثقافية تنوُّعَ وشمولَ فُرصِ الانخراط في المجال الثقافي لمختلف أطياف المجتمع، كما يُسلّط فصلُ الاقتصادِ الإبداعيِّ الضوءَ على الإسهامات الاقتصادية للقطاع الثقافي بمختلف مكوناته، والجهود المبذولة لتحفيز نموه. تشكل هذه الجهود المجتمعة دعماً قوياً لرؤية المملكة 2030 التي تهدف إلى تعزيز الثقافة والفنون كجزء من التنمية المستدامة التي تتصدر أهداف العديد من الفعاليات المقامة على الساحة الثقافية، حيث تقوم وزارة الثقافة بتنظيم العديد من الفعاليات الثقافية والفنية، مثل المعارض الفنية، والمهرجانات، والعروض المسرحية، مما يسهم في توفير منصات للفنانين والمبدعين لإبراز مواهبهم. كما تعمل على دعم الصناعات الثقافية والإبداعية من خلال توفير الدعم المالي والفني للمشاريع الثقافية، علاوة عن سعيها إلى تعزيز التعاون مع المؤسسات الثقافية المحلية والدولية، مما يساهم في تبادل الخبرات وتعزيز الفهم الثقافي. كل ذلك مثل عامل جذب واستقطاب ليس فقط محلياً وعربياً، وإنما دولياً أيضاً، وجعل المملكة منارة، وواجهة اهتمام تعكس تحولاً كبيراً في المجتمع السعودي، ورغبة في الانفتاح على الثقافات الأخرى وتعزيز الحوار الثقافي، مما يسهم في تحسين العلاقات الدولية ويعزز الفهم المتبادل بين الشعوب. إذاً: من الواضح أن مستقبل النهضة الثقافية في المملكة يبدو واعدًا، حيث من المتوقع أن تستمر في النمو والتطور، لاسيما في ظل الدعم الحكومي، وزيادة الوعي الثقافي وربط القطاع بالتطور التكنولوجي، إضافة إلى التنوع وتحقيق شراكات دولية في هذا المجال.