تزخر المملكة بمقومات ثقافية متفردة، تجعلها منارة فكرية أدبية تاريخية حضارية وتراثية، وأضفت الثقافة السعودية على مجتمعاتها طابعاً مميزاً، فقد نتحدث عن قيمة اللغة العربية، والقيم الإسلامية، والمتحف التي تؤرخ لتلك القيم، مروراً بالإبل والفروسية والصقور، والقهوة السعودية، وقبل كل ذلك الإنسان السعودي المثقف الواعي المؤرخ والمبدع، كشاعر وقاص وموسيقي وفنان تشكيلي. تعد الثقافة قوة ناعمة مهمة للمملكة، تلعب دورًا كبيرًا في تعزيز مكانتها على الساحة الدولية، فالثقافة ليست مجموعة من العادات والتقاليد، بل هي نمط حياة يؤثر على كل جوانب المجتمع، وتسعى المملكة ورؤية 2030 إلى جعل الثقافة جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية للمواطنين والمقيمين. وتساعد الثقافة كقوة ناعمة في بناء صورة إيجابية للمملكة، وتعزز من مكانتها الدولية من خلال التأثير الثقافي والإبداعي، وتتنوع عناصر الثقافة في أي بلد، وتشمل العديد من الجوانب التي تميز مجتمعًا عن آخر، منها اللغة التي تعد من أهم عناصر الثقافة، حيث تعكس الهوية والتاريخ والتقاليد، إضافة إلى الأديان والمعتقدات التي تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل القيم والأخلاق والعادات، التي تحتوي على منظومة من التقاليد الممارسات الاجتماعية والاحتفالات والأعياد التي تميز كل مجتمع، وكذلك الفنون والأدب والموسيقى والفنون التشكيلية، والمسرح، والقيم والأعراف المبادئ الأخلاقية والسلوكيات المقبولة في المجتمع، وأنماط الملابس والطعام، إضافة إلى العمارة التي تعكس تاريخ وثقافة المجتمع من خلال المباني والآثار. من أهم عناصرها، تعزيز الهوية الوطنية، بالحفاظ على التراث، من خلال دعم الأنشطة التراثية والحرف اليدوية، وكذلك التبادل الثقافي مع الدول الأخرى، الذي يساهم في تعزيز صورة المملكة عالميًا ويعزز التفاهم بين الثقافات المختلفة، إضافة إلى دعم المواهب والإبداع في مختلف المجالات الثقافية والفنية يساهم في تنمية الإبداع والابتكار، إلى جانب تنظيم الفعاليات الثقافية مثل المهرجانات والمعارض يعزز من مشاركة المجتمع في الأنشطة الثقافية ويشجع على التفاعل الثقافي. الهوية المعمارية لكل منطقة في المملكة طابع معماري خاص بها، فلدينا المباني التاريخية في الدرعية وجدة، لتأتي العمارة السلمانية، وميثاق الملك سلمان العمراني ليعزز الهوية التاريخية والثقافية، من خلال دمج الأصالة مع الحداثة، مما يخلق بيئات عمرانية مستدامة تعكس التراث السعودي وتحافظ عليه، لذا فإن العمارة السعودية ليست مجرد مبانٍ، بل تعبير عن الهوية الثقافية والتاريخية للمملكة، وتساهم بشكل كبير في تعزيز مكانتها كقوة ناعمة على الساحة الدولية. الميثاق العمراني للملك سلمان تم إصدار كتاب بعنوان «ميثاق الملك سلمان العمراني»، وقد جاء الكتاب عنواناً للهوية العمرانية السعودية، ومتضمناً خلاصة إبداع قائم على قواعد متينة من الابتكار والاكتشاف، ومتسقاً مع البيئات والصروح العمرانية النموذجية التي أنشئت تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز –حفظه الله–، حيث تولدت فكرة صياغة الميثاق بشكل يتضمن كل ما يهم المتخصصين في تصميم البيئة العمرانية في أنحاء المملكة، بدءاً من التفكير في البناء، مروراً بكافة المراحل وحتى تسليم المبنى. جاء ميثاق الملك سلمان العمراني نتاجاً لفكر عميق، ومُلخصاً لتصور كامل ورؤية شاملة، ويعد الميثاق أساساً استراتيجياً للعمران والمستقبل، ومنهجية تصميم تُبرز تاريخ المملكة وثقافتها من جهة، ويستهدف الميثاق التعريف برؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز – يحفظه الله - في المجال العمراني القائمة على الأصالة، باعتبارها جوهر الإبداع، وعلى المرونة القادرة على التفاعل مع الجديد، وإمكانية اختراق حواجز الزمان والمكان، لتحقيق التميز العمراني وتحسين جودة الحياة لأفراد المجتمع؛ من خلال خلق بيئات عمرانية تستند على الموروث الثقافي والبيئي، وتحاكي التطورات المستقبلية ومعطياتها. وتتميّز العمارة السلمانيّة بجاذبية جمالية ذات قِيَم زرع بذورها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بعبقرية، وحيث تتميز بالأصالة وإنشاء مساحات حضريّة ومعمارية تعبّر عن المكان وخصوصيته، والنماء والتطور الدائم لمجتمع محلي يحتفي بالهوية الوطنية ويحترم الماضي، والتركيز على الأفراد والجماعات في محور أي تصميم؛ لتحسين التجارب، وشمولها، وعدالتها الاجتماعية، والاهتمام برفع مستوى جودة العيش؛ بإقامة بيئة حضرية آمنة، وجذابة، وصحية، ومترابطة اجتماعيّاً لتلائم جميع المواطنين، إضافة إلى الابتكار بإتاحة مساحة ذهنية لاستكشاف آفاق جديدة التي تأتي غالباً مع التعاون مع شركاء يملكون منظوراً مختلفاً، أو لديهم معارف معيّنة مكمِّلة، وصولاً إلى حماية وتعزيز الجانب البيئي، والاجتماعي، والاقتصادي بصورة مثالية. المقاهي الأدبية تلعب المقاهي الأدبية دورًا مهمًا في تعزيز الثقافة والأدب في المجتمع، وتشهد نموًا ملحوظًا، حيث بلغ عددها حوالي 80 مقهى أدبياً في مختلف أنحاء المملكة، هذه المقاهي ليست مجرد أماكن لتناول القهوة، بل منارات ثقافية تتيح للزوار التفاعل مع الأدب والثقافة من خلال فعاليات متنوعة مثل: مناقشات الكتب، استضافة نوادي القراءة، وورش العمل الأدبية، وتوفر المقاهي الأدبية بيئة مريحة ومشجعة للقراءة، مما يساعد على زيادة معدلات القراءة بين الأفراد، وتتيح للزوار فرصة التفاعل مع الكتاب والمثقفين من خلال الفعاليات الأدبية مثل مناقشات الكتب وورش العمل، وتوفر منصة للمواهب الأدبية الناشئة لعرض أعمالهم والتفاعل مع جمهور مهتم بالأدب، وتسهم في بناء مجتمع ثقافي متماسك من خلال جمع الأفراد ذوي الاهتمامات المشتركة في مكان واحد، وتوفر بيئة ملهمة تساعد الأفراد على التفكير الإبداعي وتطوير أفكار جديدة. وأسهمت مبادرة الشريك الأدبي في تعزيز التفاعل بين المكان والإنسان والثقافة، التي تعد نموذجاً لاستثمار مساحات الفضاء العام، وتمكين المقاهي في تفعيل النشاط الثقافي، عبر تقديم البرامج والفعاليات في المقهى، ما ينتج عنه تقريب الثقافة من كافة فئات المجتمع. وقد استحوذت منطقة الرياض على النصيب الأكبر من المقاهي الأدبية، كأكثر مناطق المملكة مقاهي أدبية خلال العام الماضي 2023م، حيث بلغ إجمالي المقاهي الأدبية 21 مقهى ب26 %، وحلت منطقة مكةالمكرمة ثانياً، بإجمالي 17 مقهى أدبياً ب21 %، والشرقية ثالثاً، بإجمالي 13 مقهى أدبياً ب16 %، والمدينة المنورة رابعاً، بإجمالي 7 مقاهٍ أدبية ب9 %، وجازان خامساً، بإجمالي 5 مقاهٍ أدبية ب6 %. السينما في المملكة تلعب السينما دوراً حيوياً في الاقتصاد والثقافة على حد سواء، حيث تساهم صناعة السينما بشكل كبير في الاقتصاد، من خلال الإيرادات الناتجة عن بيع التذاكر، والإعلانات، وحقوق البث، كما توفر العديد من فرص العمل في مجالات متعددة مثل: التمثيل، الإخراج، الإنتاج، والتوزيع، والموسيقى والديكور والتأليف، والإكسسوار والملابس والتصوير والمونتاج والماكياج، كما يمكن أن تكون مواقع تصوير الأفلام وجهات سياحية تجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم، مما يعزز الاقتصاد المحلي، إلى جانب الضرائب العامة والقيمة المضافة، والكليات والمعاهد المتخصصة التي يمكن أن تكون جاذبة لمبدعين من دول أخرى للدراسة والتعليم، أو الاستفادة من خبراتهم. وتتيح السينما للجمهور التعرف على ثقافات وتجارب مختلفة، مما يعزز التفاهم والتواصل بين الشعوب، ويمكن للأفلام أن تسلط الضوء على قضايا اجتماعية وسياسية هامة، مما يساهم في رفع مستوى الوعي العام، كما تلهم الأفلام المشاهدين وتدفعهم للتفكير الإبداعي، وتطوير أفكار جديدة، كما تساهم في تعزيز الفنون الأخرى مثل الأدب والموسيقى والفن التشكيلي. إن السينما ليست مجرد وسيلة للترفيه، بل هي أداة قوية للتأثير في المجتمع وتطويره، وقد شهدت في المملكة تطورًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، وأصبحت جزءًا مهمًا من المشهد الثقافي والاقتصادي في المملكة، حيث تستضيف المملكة مهرجانات سينمائية مهمة مثل مهرجان البحر الأحمر السينمائي، الذي يجذب صناع الأفلام والمواهب من جميع أنحاء العالم، وهناك زيادة ملحوظة في إنتاج الأفلام المحلية التي تعكس القصص والثقافات السعودية، مما يعزز الهوية الثقافية، ويتيح للعالم التعرف على المجتمع السعودي من خلال السينما. ويوجد في المملكة حاليًا 66 دار سينما، بالإضافة إلى 636 شاشة عرض سينمائي، مما يجعلها سوقًا سينمائيًا كبيرًا في المنطقة، حققت إيرادات كبيرة، وبلغت إيرادات مبيعات تذاكر السينما، خلال النصف الأول من العام الجاري، 421.8 مليون ريال (112.4 مليون دولار)، وسط تخفيض لأسعار التذاكر ومحفزات حكومية لزيادة نشاط ودور السينما، وتتطلع المملكة لأن تتجاوز العائدات السنوية لشباك التذاكر مليار دولار، وزيادة حجم الإنتاج المحلي إلى 70 فيلماً كل عام، والوصول بعدد دور العرض إلى 350 تضم 2500 شاشة سينما، بحلول 2030، مع توقّع مساهمة الصناعة بنحو 24 مليار دولار في الاقتصاد، وإضافة أكثر من 30 ألف وظيفة دائمة، كما تم افتتاح معاهد متخصصة في صناعة السينما لتدريب المواهب الشابة وتطوير مهاراتهم في مختلف جوانب الإنتاج السينمائي. معارض الكتب في المملكة من أهم مقومات القوى الناعمة لأي دولة، معارض الكتب معارض، حيث تلعب دورًا حيويًا في تعزيز الثقافة ودعم الاقتصاد، إذ تساهم في نشر ثقافة القراءة بين مختلف الفئات العمرية، مما يعزز الوعي الثقافي والمعرفي في المجتمع، وتوفر منصة للتفاعل بين الكتاب والقراء، مما يتيح تبادل الأفكار والنقاشات الثقافية والفكرية، وتتيح للكتاب الناشئين عرض أعمالهم والتفاعل مع جمهور واسع، مما يساعد في اكتشاف وتنمية المواهب الأدبية، كما تشمل معارض الكتب العديد من الفعاليات الثقافية مثل الندوات والمحاضرات وورش العمل، مما يعزز الحراك الثقافي في المجتمع. وتساهم معارض الكتب في تنشيط الاقتصاد المحلي، من خلال زيادة الإقبال على الفنادق والمطاعم ووسائل النقل خلال فترة المعرض، كما تعزز صناعة النشر والتأليف والترجمة، وتنويع المنتجات الأدبية والفنية، والكتب المتخصصة علمياً وفي كل المجالات، ومن ثم القدرة على تنمية صناعة الثقافة، كما تجذب معارض الكتب الزوار من خارج المنطقة، مما يساهم في الترويج السياحي للمناطق المستضيفة، وتوفير فرص عمل مؤقتة ودائمة في مجالات التنظيم والتسويق والنشر. المتاحف تزخر المملكة بالعديد من المتاحف المهمة، ذات القيمة الفنية والتاريخية والحضارية الكبيرة، تُعدّ المتاحف والمراكز الثقافية والفنية، من أهم ركائز التنمية الثقافية في المملكة لحفظ التراث الوطني المادي وغير المادي، وتعزيز الهوية الوطنية، وإثراء المشهد الثقافي، وتعزيز الترابط المجتمعي. وتسعى هيئة المتاحف إلى إنشاء متاحف متميزة ومعاصرة، وتطوير مراكز ثقافية تساهم في تعزيز الثقافة كنمط حياة، كما تعمل على استحداث تجارب تعليمية وترفيهية تجذب جميع فئات المجتمع، وبناء شراكات مع المؤسسات الثقافية الدولية، ودعم الحوار والتبادل الثقافي والمعرفي، لتعزيز مكانة المملكة على الساحة الثقافية الدولية، لتحقيق رؤية 2030 في تنمية المساهمة السعودية في الفنون والثقافة، فيعرض المتحف الوطني السعودي تاريخ المملكة من عصور ما قبل التاريخ حتى العصر الحديث، ويضم مجموعة كبيرة من القطع الأثرية والتحف الفنية، كما يعرض متحف عمارة الحرمين الشريفين في مكةالمكرمة تاريخ الحرمين ومجموعة من المقتنيات الأثرية والتاريخية المتعلقة بهما، إلى جانب متحف إثراء –الظهران، الذي يجمع بين الفن الحديث والتراث السعودي، ويقدم معارض تفاعلية وتجارب ثقافية متنوعة.