الانتخابات الأميركية ليست مجرد حدث داخلي، بل هي ظاهرة عالمية تؤثر على العديد من المجالات من السياسة والاقتصاد إلى الأمن. العالم يراقب الانتخابات الأميركية بحذر وانتظار، متسائلًا كيف ستؤثر نتائجها على الاستقرار العالمي، العلاقات الثنائية، والقضايا الكبرى التي تشغل المجتمع الدوليِ، وبالحديث عن الانتخابات الأميركية هنالك مصطلح يتكرر في كل عام انتخابي ألا وهو الدولة العميقة، فما الدولة العميقة، وما التأثير المزعوم لها على الانتخابات الأميركية؟ يشير مصطلح "الدولة العميقة" إلى وجود عناصر غير منتخبة من بيروقراطيين أو مسؤولين أمنيين واستخباراتيين وقادة مؤسسات حكومية واقتصادية، تتجاوز سلطتهم الإطار الديمقراطي التقليدي. يُعتقد أن هؤلاء يمتلكون القدرة على توجيه القرارات الحكومية والسياسات العامة بما يتماشى مع مصالحهم، حتى وإن تعارضت هذه القرارات مع رغبات الشعب أو الحكومة المنتخبة. قد تؤثر الدولة العميقة على الانتخابات بالتأثير على المرشحين أو نتائج الانتخابات بطرق غير مباشرة. يمكن تلخيصها بعدة اشكال أولها التأثير الإعلامي عبر وسائل الإعلام حيث يتم اعتبار الدولة العميقة المتحكم بجزء كبير من وسائل الإعلام الأميركية من قنوات وصحف وحتى شخصيات عامة من الرياضة والفن لتوجيه النقاشات العامة والرسائل السياسية بما يخدم مصالحها لحشد الراي العام ضد مرشح لصالح آخر. كما يمكن اعتبار استخدام الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في تسريب معلومات أو التأثير على المرشحين بتوظيف التحقيقات الجنائية والأمنية خلال فترة الانتخابات للتأثير على سمعة المرشحين.، ويأتي في سياق أدوات التأثير التمويل السياسي حيث يعتقد أن الدولة العميقة تمتلك قدرة على تدفق الأموال إلى الحملات الانتخابية عبر تبرعات أو من خلال لجان العمل حيث يمكن للنخب الاقتصادية المترابطة مع الدولة العميقة التأثير على نتائج الانتخابات. ومع تطور التكنولوجيا لا يمكن الاغفال عن أن استغلال التكنولوجيا والبيانات الشخصية أحد اهم أدوات التأثيرعلى الانتخابات الأميركية ويثار الجدل عما إذا كانت الدولة العميقة تتعاون مع شركات التكنولوجيا لجمع وتحليل بيانات الناخبين ثم استخدامها لتوجيه الدعاية الانتخابية، ومن أمثلة الانتخابات الأمريكية التي يشار لها، انتخابات 2016 حيث تم الحديث بشكل مكثف عن دور "الدولة العميقة" بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية لعام 2016. فبعض المناصرين لترمب، وكذلك هو نفسه، ادعوا أن الدولة العميقة عملت ضدهم، سواء من خلال التسريبات أو من خلال التحقيقات المتعلقة بالتدخل الروسي في الانتخابات. وعادت فكرة الدولة العميقة إلى الساحة خلال انتخابات 2020 عندما زعم ترمب وأنصاره أن هناك محاولات للتلاعب بنتائج الانتخابات ضده. تم توجيه اتهامات لمؤسسات حكومية معينة، مثل البريد الأميركي، بالتأثير على سير الانتخابات، في النهاية، تبقى فكرة "الدولة العميقة" موضوعًا مثيرًا للجدل، ويعتمد فهمها إلى حد كبير على المنظور السياسي للشخص، حيث يراها البعض كقوة خفية تتحكم في السياسة، بينما يعتبرها الآخرون فكرة مبالغ فيها تهدف إلى تقويض الثقة في الديمقراطية. السؤال الآخر يدور حول حقيقة التأثير الذي يمكن أن تلعبه الدولة العميقة في أميركا فهل هي فريق سياسي متحكم بزمام الأمور، أم هي فريق اقتصادي يتحكم بالاقتصاد ويؤثر بشكل كبير على السياسة، التاريخ السياسي الأميركي أثبت أن هناك دئما مفاجآت حاسمة في اللحظات الأخيرة وهذا ما يرجح أن هناك تأثرا مباشرا لقوى متفرقة بين الحزبين الرئيسين في أميركا بحيث يمكن لهذه القوى أن تؤثر في الاتجاهات ولكنها لا تصنعه.