في هذه الجزيرة المترامية الأطراف أنواع شتى من الحيوانات، فيها النمر العربي، والضبع والذئب، وفيها الجمال، والبقر، والغنم، وفيها الثعابين السامة وغير السامة، فيها السهول والوديان، والجبال الشامخة، والهضاب النايفة، وفيها الرمال الذهبية، تجمع أرضها المدن الساحلية والصحراوية والجبلية، ففيها تنوع جغرافي بديع، فيستمتع المرء في شتائها إذا كان في أواسطها وسواحلها، ويستمتع بصيفها إذا كان في جنوبها، ويستمتع بالربيع الزاهر في رياضها وأوديتها وشعابها. هذا التنوع الجغرافي المتناسق، حتما سينتج عنه تنوع في السكان، وفي المجتمع، فهي بلدة طيبة، وشعب فخور، وليست بدعاً من بلاد الله التي خلقها في أرضه الواسعة، سكانها ليسوا ملائكة، لكنهم أيضاً ليسوا شياطين، ولا أبالسة، يغلب عليهم نخوة العروبة وشيمتها، ولا يخلون من منغصات ذلك ممن يخرج عن السبيل، ويبعد عن الصراط المستقيم، مثلهم مثل غيرهم من المجتمعات، ففيهم الصالح -وهو الغالب-، وفيهم الفاسد، لكن ما يميزهم أنهم يأخذون على يد المفسد، وينبذونه، ولا يقرون ظالماً على ظلمه، ولا يعينون مفسداً على فساده، لكن الحكمة الإلهية قضت أن يكون هناك تجاذب بين الحق والباطل، والإصلاح والإفساد، وقد وجد في زمن الطهر والخيرية من زنى، ومن سرق، ومن اختلس، ومن قتل، ومن اتهم القيادة الحكيمة الموحى إليها بأنها لم تعدل، ولم ترد وجه الله في حكمها! بناءً على ما تقدم، فإن توجيه سهام الحقد إلى جسد هذه المملكة العريقة ليس بغريب، بل هو المتوقع؛ لأن العامل المخلص لا بد له من أن يتعرض للتشويه في صدقه وإخلاصه وعمله من حاسد، أو من حاقد، أو من كسول لا يمكنه تبرير كسله إلا بتشويه العامل المسدَّد! وأيضاً فإن هذه السهام لم تقف يوماً من محاولة إصابة هذا الكيان العظيم في مقتل، عشنا بعض محاولاته، في أزمات مرت بها، استطاعت قيادتها الرشيدة المسددة أن تجتاز بها حقول الألغام بكل احتراف، ثقة بالله، واستعانة به، ثم بصدق العمل والحرص حيث كانت الدفة في أيد أمينة، وعقول رصينة، وفكر وثاب. ولم يكن تأسيس هذا الكيان بالأمر السهل، بل واجه صعاباً جمة، ذللها المولى للقائد المحنك، رحمه الله تعالى، حتى استطاع جمع الشمل، ورص الصف، وتوحيد الكلمة والأرض، ونشر الأمن والاستقرار في ربوع مملكته، ثم أورثها أبناءه من بعده فحملوا الراية، وواصلوا المسيرة، كلٌ بحسبه، وكلٌ في زمنه، يتمم الخلف ما بدأه السلف، حتى أُسلمت الراية للعهد المجيد الذي نعيشه اليوم، يحمل سلمان فيه راية العز والحزم والعزم ، ويعضده ابنه البار المتوقد شبابا وحيوية وهمة محمد بن سلمان، فاجتمعت الحكمة والخبرة مع الطموح والشباب والنشاط والحيوية. فلا جرم أن تكون السهام أكثر، والمحاولات أكبر، لثني العزم أن يمضي قدما، وتشويه الجمال أن يبرز لأعين الناظرين، وهذا ديدن الأعداء في كل زمان، وهي قاعدة لا تنخرم، فإن كل من لم يستطع أن يوقف تميزك بحجة أو ببرهان فإنه لا بد أن يلجأ لتشويه الصورة، والقدح في القرار أو الشخصية، وهذا ما يواجهه سمو ولي العهد من حملات التشويه، التي تبين للمنصف أن مشكلتهم مع الشخص لا مع أفكاره وطموحه، وهذا بلا تردد يرى المنصف من خلاله حجم الحسد والغيرة المغلفة بألوان من الأغلفة التي لا تظهر خبيئتهم من الحقد، والحسد، والرغبة الملحة لهدم البنيان، وتخريب الأوطان. وإلا فإن كيانا يقطنه ملايين البشر من مواطنين ووافدين بمختلف الديانات، والثقافات، والاهتمامات، ثم يضغط أحدهم على قصة حتى لو كانت واقعا ملموسا، ليجعلها أساسا، وقانونا عاما، وصبغة مجتمعية، متناسيا أمثال هذا الوافد والمقيم وهم ملايين، ليسوا ألوفا، غرفوا من معين هذا البلد، ومن خيراته، فبنوا بلادهم، وأنفقوا على أسرهم، وغيروا مستقبلهم، ومستقبل أولادهم، بما وجدوه من الخير والرزق الوفير! ليس اليوم فحسب، بل منذ أسست هذه البلاد، وهي مأرز الدين، ومركز انفتاح الدنيا لكثير من المعوزين، ونصرة للثكالى والمظلومين، ليس لمن يعيش في أرضها، وتحت سمائها فحسب، بل حتى من يعيش في أقطار العالم مسلمها وغير المسلم منها، فهي غوث وغيث "وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان" يسقي الله منه عباده بخيرها الموفور، كان وما زال، وسيبقى أبد الدهر، بعز عزيز، وذل ذليل، رضي العدو أم سخط. ومن فضل الله تعالى علينا أن هذه الهجمات المضللة، والسهام المسمومة، هي أشبه بمصل تطعيم، يزيدنا قوة وصلابة وتمسكا بالقيادة، وثقة بها، فسر أيها القائد بعزمك وحزمك، وزد من حيويتك للنهضة، ولا تعثر بحصياتهم الصغيرة، فإنها لن تؤذيك، ولكنها تنبهك إلى موضع خطواتك، لتتقي شرها، وتكمل مسيرة البناء التي حُمّلت أمانتها، والله يحفظك ويرعاك. هذا، والله من وراء القصد.