اختتم المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي مشاورات المادة الرابعة لعام 2024 مع المملكة العربية السعودية وأصدر تقريراً مفصلاً عن حالة الاقتصاد السعودي حيث أشاد بالتحول الاقتصادي غير المسبوق في المملكة والذي يتقدم بشكل جيد، وحققت برامج التحول والتنويع الاقتصادي تحت مظلة رؤية 2030 تقدماً هائلاً، كما سهلت ممارسة الحيز المالي الأخيرة إعادة معايرة الإنفاق الاستثماري المخطط له في إطار رؤية 2030 من خلال إعادة تحديد أولويات المشاريع ومن خلال الاستراتيجيات القطاعية، أعتقد أن هذه الخطوة التي قامت بها الحكومة هذا العام من أفضل الإجراءات التي تساعد على خفض معدلات التضخم وقدرة القطاع المالي على تمويل المشاريع، والتأكد من قدرة القطاعات الإنتاجية المحلية على توفير متطلبات المشاريع، ولذلك جاءت هذه الإجراءات في افتتاحية التقرير نظراً لأهميتها، كما اتفق المديرون التنفيذيون لصندوق النقد الدولي على قدرة المملكة على تنمية النشاط الاقتصادي غير النفطي مع استقرار التضخم، وانخفاض البطالة إلى أدنى مستوياته، والاحتياطات المالية الأجنبية الكبيرة، وأكدوا على أهمية الحفاظ على الاستدامة المالية، وحماية الاستقرار المالي، والاستمرار في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية لدعم النمو المستدام والشامل، ولضمان الاستدامة وتلبية الاحتياجات، كما طالب صندوق النقد الدولي في تقريره بتكثيف الجهود لزيادة الإيرادات غير النفطية، وترشيد دعم الطاقة وزيادة الإيرادات الضريبية وتطوير إطار لإدارة الأصول والخصوم السيادية للمساعدة في التخفيف من المخاطر. يعتقد الصندوق أن الاستمرار في ربط الريال بالدولار الأميركي مناسباً للاقتصاد السعودي، كما أشاد الصندوق بالقطاع المالي ويعتقد أنه يقف على أرضية قوية، والمخاطر المالية في البنوك السعودية منخفضة، وإن كانت هناك علاقة متضخمة بين الصندوق السيادي وبعض فجوات البيانات القائمة التي تتطلب اليقظة المستمرة، كما طالب التقرير بتشديد أدوات منح القروض إذا استمر نمو الائتمان مرتفع، وهذا يتوافق مع تقاريرنا السابقة على أن التوسع في الإقراض الاستهلاكي والعقاري قد يحد من قدرة البنوك على منح القروض للقطاعات الاقتصادية التي تدعم نمو الناتج المحلي غير النفطي. أشاد التقرير أيضاً بالإصلاحات الرامية إلى تعزيز بيئة الأعمال في المملكة وجاذبيتها للاستثمار الأجنبي بشكل جيد، وأكد أن الإعلان عن تأثير عملية إعادة المعايرة على أهداف رؤية 2030 وخطط الإنفاق سوف تساعد في وضوح الرؤية بشأن أولويات الحكومة للمستثمرين، وزيادة كفاءة الاستثمار، وإصلاح أسواق العمل، وتسريع التحول الرقمي، وتعزيز الحوكمة والتي تساعد في تعزيز تنمية القطاع الخاص، وينبغي أن تظل السياسات الصناعية مكملة لأجندة الإصلاح الهيكلي للاقتصاد، مع التقدم في مبادرة السعودية الخضراء والتي تتطلب تقدير التكاليف المناسبة لمساعدة المملكة على تحقيق هدفها المتمثل في انبعاثات صفرية. التقرير أشار إلى الأحداث الجيوسياسية في الشرق الأوسط والتي لم يكن لها أي تأثير كبير على الاقتصاد السعودي حتى الآن، فالتعاملات التجارية والمالية للمملكة مع البلدان المتضررة من الصراع ضئيلة، وكذلك لم تنقطع شحناتها النفطية، التي لا تمر معظمها عبر البحر الأحمر، واستمر تدفق السياح القوي في زيادة الإيرادات غير النفطية، ومع ذلك كانت هناك حاجة إلى ترتيبات لوجستية بديلة (على سبيل المثال، من خلال ميناء الدمام) حيث أدت التوترات إلى انخفاض بنسبة 40 % للسفن التي تمر عبر البحر الأحمر، مما أثر على حركة المرور في ميناء جدة، الذي تعامل مع حوالي 47 % من واردات البلاد البحرية في عام 2023، كما نبه الى وجب معالجة تضخم العقارات والتي قد تؤثر مستقبلاً على المؤشر العام للتضخم. يتوقع خبراء صندوق النقد الدولي أن يتحول فائض الحساب الجاري إلى عجز من عام 2024 فصاعداً، بمتوسط 2.2 % من الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 2026و 2029 ومن شأن انخفاض أسعار النفط والواردات القوية المرتبطة بمشاريع الاستثمار والبنية الأساسية، أن يؤدي إلى تفاقم الموقف الخارجي على الرغم من ارتفاع الصادرات غير النفطية وتضييق العجز في الخدمات المستفيد من زيادة عائدات السياحة، وسوف تصل الاحتياطيات الأجنبية إلى أدنى مستوياتها في عام 2025 وتصل إلى حوالي 483 مليار دولار في عام 2029، وهو ما يمثل 13.4 شهراً من الواردات وحوالي 144 % من مقياس كفاية الاحتياطي لصندوق النقد الدولي، كما أشاد التقرير بمنصة اعتماد التي ساهمت في تسريع صرف مستحقات القطاع الخاص والتي كانت تشكل عائقا كبيرا أمام ممارسة الأعمال في الماضي حيث تتم معالجة 83 % من المدفوعات الآن في غضون 15 يوماً، وتم تمكين القطاع الخاص الآن متابعة حالة مطالباتهم مباشرة في منصة اعتماد. هذه قراءتنا للتقرير، وننصح المهتمين بقراءته بكامل تفاصيله في الموقع الرسمي لصندوق النقد الدولي، ومن خلال متابعتي للتقارير السابقة أستطيع القول بأن هذا أقوي تقرير عن الاقتصاد السعودي يصدر عن خبراء صندوق النقد الدولي وفيه الكثير من عبارات الإشادة والانبهار الشديد بالمنجزات التي حققتها المملكة في سنوات قليلة رغم التحديات الاقتصادية والأحداث الجيوسياسية.