يقف النشاط البشري الذي لا يراعي معايير الاستدامة كعامل رئيس وراء المعدل المتزايد من فقد التنوع البيولوجي العالمي، وذلك وفق تقارير مختلف الجهات الدولية، وفي مقدمتها الأممالمتحدة، التي تشدد على ضرورة تطبيق نظم مستدامة في توجهات واستراتيجيات النمو الاقتصادي والاجتماعي لتعزيز قدرات الحفاظ على الأنواع وموائلها الطبيعية التي تضمن استدامتها، والتوسع في الاستثمار في المناطق المحمية وخصوصا في الدول التي تمتلك بيئة غنية بالتنوع بالبيولوجي. وفي هذا السياق، سبق أن صدرت تحذيرات من مؤسسات، بينها الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة، من تسارع تنامي المخاطر التي يتعرض لها التنوع البيولوجي وتراجع قدرة العديد من الأنواع على الاستمرار والبقاء ما يهدد إمكانية الحفاظ على التوازن الطبيعي للبيئة، حيث تضم القائمة الحمراء للأنواع المعرضة لخطر الانقراض التي يصدرها الاتحاد إلى 44 ألف من الأحياء، فيما تتعرض 70% من الشعاب المرجانية حول العالم، التي تمثل الركيزة الأساسية لاستدامة البيئة البحرية واستمرارية وتكاثر أنواعها وثرواتها الحية، لخطر التهديد بالانهيار. وتُعد المملكة العربية السعودية، التي احتفت مؤخراً بفعاليات اليوم العالمي للبيئة، واحدة من أبرز الدول التي تتمتع بتنوع بيولوجي غني، إذ تستوطن فيها مجموعة واسعة من الأنواع النباتية والحيوانية عبر التضاريس الطبيعية المتنوعة. ووفقاً للمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، تضم المملكة 499 نوعاً من الطيور، و117 نوعاً من الثدييات، و107 من الزواحف، و266 نوعاً من المرجان، و1230 نوعًا من الأسماك، وثمانية برمائيات، وأكثر من 2400 نبات مزهر. استثمار مستدام ويُعد صندوق الاستثمارات العامة - من خلال استراتيجيته الاستثمارية التي تستهدف تعزيز النمو الاقتصادي وفق أعلى معايير الاستدامة – من بين أبرز المساهمين في تحقيق مستهدفات المملكة للعمل من أجل البيئة والمناخ وحماية الموارد الطبيعية والتنوع الحيوي، وتبرز مساهمات الصندوق في هذا الإطار ضمن العديد من القطاعات، في مقدمتها قطاع السياحة المتجددة، حيث أسّس شركة البحر الأحمر الدولية، لتطوير وجهات سياحية عبر نموذج أعمال يتوافق مع توجهات التنمية المستدامة، ويضع الإنسان والطبيعة في المقام الأول. وضمانا لتحقيق مستهدفات حماية البيئة والتنوع الأحيائي لشواطئ البحر الأحمر، والتزامها بتحقيق أحد أهدافها الاستراتيجية المتمثل بتحقيق مردود حفظ إيجابي للتنوع الأحيائي بنسبة 30% بحلول عام 2040، نفذت شركة البحر الأحمر الدولية على مدى ثلاث سنوات دراسات خط الأساس لرصد التنوع الحيوي للبيئة البحرية ضمن نطاق وجهتي البحر الأحمر وأمالا وقد تم نشر تقارير الدراسات عام 2022 و2023، وتعد تلك الدراسات من أكبر الدراسات البيئية حول النظم الايكولوجية للكائنات البحرية في منطقة البحر الأحمر، بهدف إنشاء قاعدة بيانات متكاملة لفهم حالة البيئة ودراسة الموائل الطبيعية على مسافة 200 كيلو متر، للاستعانة بها في تعزيز التخطيط والعمل الاستراتيجي للشركة في تطوير قطاع السياحة المتجددة في المنطقة مع ضمان حماية البيئة والحفاظ على تنوعها الأحيائي. وانطلاقاً من قاعدة بيناتها واستراتيجيتها البيئة، أطلقت الشركة العديد من المبادرات، بما في ذلك حماية وإعادة توطين الأنواع المهددة أو المعرضة للانقراض، كما أكّدت الشركة التزامها بحماية النظم البيئية المرجانية وتجديدها من خلال برامج مبتكرة بالتعاون مع المنصة العالمية لتسريع البحث والتطوير للشعب المرجانية. وقد منح مؤشر الاستدامة العقارية العالمي (GRESB) شركة البحر الأحمر الدولية جائزة "الشركة الرائدة للقطاع على الصعيد الإقليمي" المرموقة بناءً على تحقيقها معدّلاً إجمالياً قدره 91 من أصل 100 نقطة في تقييم التصنيف العالمي المرتبط بالحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات (ESG). نمو يراعي البيئة وتمثل الاستفادة من فرص النمو المتاحة وتعزيز قدراتها محوراً رئيساً في الاستراتيجية الاستثمارية لصندوق الاستثمارات العامة، لذا عمل الصندوق ضمن استراتيجيته على الاستفادة من تعزيز قدرات بعض القطاعات الاستثمارية وفق منظومة متكاملة تضع معايير حماية البيئة والتنوع البيولوجي وتحقيق استدامته كعنصر رئيس في كافة توجهاتها وفي هذا الإطار أعلنت شركة "معادن"، أكبر شركة تعدين متعددة السلع في الشرق الأوسط، عن أهدافاً طموحة لحماية البيئة، وتحسين الغطاء النباتي، وتعزيز التنوع البيولوجي، وتوليد أرصدة الكربون لتعويض بصمتها الكربونية من خلال تقديم مشاريع الحلول القائمة على الطبيعة. ستساعد هذه الحلول معادن على حماية المناطق الساحلية لغابات القرم وتشجيع الوجهات الطبيعية من خلال الحفاظ على النظام البيئي لموائل أشجار القرم مع زيادة الوعي بأهميتها. وتهدف الشركة إلى زراعة 10 ملايين شجرة أرضية إضافية و10 ملايين شجرة قرم بحلول عام 2040 والتي تشكّل مصدر الرزق الرئيس للمجتمعات الساحلية، وتعمل على تثبيت الخط الساحلي، ومنع التآكل، وتنظيف إمدادات المياه المحلية. وتطبق "معادن" معيارها لإدارة التنوع البيولوجي على الشركات التابعة بهدف تخفيف الآثار على التنوع البيولوجي في جميع مراحل سلسلة قيمة التعدين، من الاستكشاف وتطوير المشاريع والعمليات (بما في ذلك طرق النقل والبنية التحتية المرتبطة بها) والإغلاق. كما عمل الصندوق على الاستفادة من فرص النمو الواعد للسياحة البيئية عالمياً، من خلال تعزيز قدرات المملكة في هذا المجال والترويج لها بالشكل المناسب بما يعزز مكانتها على خارطة السياحة العالمية بشكل عام والبيئية بشكل خاص. وفي هذا الإطار أطلق شركة السودة للتطوير، لتطوير وجهة جبلية سياحية فاخرة في السودة وأجزاء من رجال ألمع بمنطقة عسير، وفق أعلى معايير الاستدامة البيئية والابتكار، مع التركيز على التراث والثقافة والطبيعة وتمكين المجتمع المحلي. وفيما يخص حماية البيئة وتعزيز استدامة التنوع البيولوجي، تعمل السودة للتطوير بالشراكة مع المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية لتعزيز الجهود البيئية وحماية الأحياء البرية والمناطق المحمية بهدف الحفاظ على التنوع البيولوجي الفريد في المنطقة وإعادة التوازن البيئي، ومع المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر من أجل حماية الموارد الطبيعية وتنميتها بما يضمن الوصول لمستقبلٍ أخضرٍ مستدام، كما تساهم في مبادرة السعودية الخضراء التي تركز على مكافحة تغير المناخ، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة وحماية الموارد الطبيعية للأجيال القادمة في المملكة. كما أطلق الصندوق شركة دان لتطوير مشاريع سياحية متميزة في عدة مدن تتمتع بمقومات طبيعية وزراعية فريدة، لتحقيق الريادة في مجال السياحة الريفية والبيئية، وتعتمد على إشراك المجتمعات المحلية في تقديم تجارب تتيح للزوار التفاعل المباشر مع القيم الثقافية المميزة لمختلف مناطق المملكة. هذه النماذج تؤكد القدرة على المواءمة بين الاستثمار الناجح والمجدي وبين الأولويات البيئة، من خلال التوجّه لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة قادرة على ضمان استمرار النمو الاقتصادي مع حماية التنوع الطبيعي من خلال منظومة متكاملة من المبادرات والمشاريع الحيوية التي تصنع مستقبل الأجيال المقبلة.