عرفت طرق الحج التاريخية مسالك داخلية ربطت بين أقاليم وبلدان الجزيرة العربية والحرمين الشريفين، شغلت أحيانًا أجزاء رئيسة من مسارات الطرق الدولية، كالطرق التي تربط النواحي الشرقية من جزيرة العرب والحرمين الشريفين في الحجاز ونقصد بها طريق حج البحرين واليمامة، الذي لعب دور الوسيط في حركة التنقل بين الجزيرة العربية والمناطق المطلة على الشق الشمالي من الخليج العربي وبلاد الرافدين، وكان له كذلك دورًا مميزًا في حركة التنقل الداخلية لتجار وحجاج بلاد البحرين واليمامة. أن محطات طريق حجاج اليمامة، كما جاء في كتابي مؤرخ اليمامة عبد الله بن خميس في كتابيه المجاز بين اليمامة والحجاز ومعجم اليمامة. وأجرى أيضًا الباحث عبدالله الدريس وهو من أبناء اليمامة دراسة تأريخية أثرية على طريق حجاج اليمامة المار بقريتي نعام والحريق، عرض فيها مسارات الطريق والمظاهر الاجتماعية المرتبطة بمواسم الحج في بلاد اليمامة. إن البلاد الإسلامية عرفت منذ أزمنة موغلة في القدم نظم إنشاء الطرق البرية لتسهيل حركة التنقل بين أقاليمها، تدفق عبرها المسافرون والبضائع التجارية، وقد اكتسبت تلك المسارات التي وصلت بين أقاليم الدولة والحرمين الشريفين أهمية خاصة انبثقت من رغبة المسلمين في تأدية فريضة الحج وزيارة المشاعر المقدسة، حتى غلب عليها تسمية طريق الحج أو درب الحاج، وقد عرفت تنظيما خاصا يتوافق إلى حد كبير مع خصوصية رحلة قوافل الحجاج التي تعبر هذه المسالك سنويا في رحلتي الذهاب والإياب، وهو ما ينعكس في طريق حجاج البحرين واليمامة، فقد عبر الأجزاء الوسطى من شبه الجزيرة العربية مخترقا بلاد نجد، حتى يتصل بطريق الحج البصري الذي نال عناية واسعة من قبل الولاة في العهد الإسلامي. كما حرص سكان اليمامة والبحرين كغيرهم من سكان البلاد الإسلامية على تنظيم ركب الحجاج وفق تقاليد عكست الإرث الثقافي والاجتماعي الخاص بهم. أغلب مراحل طريق حج البحرين اليمامة تتبع التضاريس الطبيعية، وتسلك مساراته أسهل الطرق ملتفة حول الجبال، أو سائرة عبر الكثبان الرملية وبطون الأودية الجافة، ويحدد مساره نقاط توزيع مصادر المياه من برك وآبار حتى يلتقي بطريق الحج البصري الذي نال عناية وافية من قبل خلفاء بني العباس فطالت منافعه حجاج بلاد البحرين واليمامة. ويبين لنا ابن رسته طريق الحج ويقول بأنه يخرج الحجاج من البحرين إلى بلاد اليمامة، ومنها تصل إلى ضرية الواقعة على طريق الحج البصري ثم إلى مكة وبعد انقضاء الموسم يفترق حجاج البصرةوالبحرين عند ضرية فيتجه حجاج البحرين ذات اليمين، وحجاج البصرة ذات الشمال. ويزودنا الإدريسي بذكر للمحطات التي يعبرها الحجاج وحدد المسافة بين كل محطة وأخرى بالمرحلة، ورتبها على النحو التالي ابتداء من اليمامة العرض الحذيفة، الثنية، السفراء صدا، القريتين وهي المحطة الواقعة على طريق حاج البصرة ومنها يتحد المساران في طريق واحد، ويمر على محطة رامة، ثم طخفة، ضرية، جديلة، فلجة الرقيبة، قباء مران، وجرة، أوطاس ذات عرق، ثم إلى بستان ابن عامر بمكةالمكرمة. أراضي البحرين واليمامة شغلت جزءًا كبيرًا من الطرق الحج الرابطة بين عواصم الدولة العباسية محطات الطريق الكبرى قامت على امتداد مسارات طرق الحج من البحرين واليمامة مرورًا بنجد حتى المدينةالمنورةومكةالمكرمة عددًا من المدن التي تحمل خلفيات مختلفة، فمنها ما قامت على توفر الموارد مائية ومناطق الزراعة والرعي. وبعضها قام بناء على الموقع المتميز على شبكة الطرق التجارية. مدينة حجر مما جاء في كتاب العبر لابن خلدون، أن قبيلة بني هوازن كانت أول من سكن إقليم اليمامة، وأن حجرًا كانت مركزا له، ثم قدمت قبيلة عنيزة بعد هوازن وشهدت حجر ازدهارا كبيرا خلال حكم بني حنيفة واتخذ منها العرب سوقا. القريتان هما إحدى نقاط طريق الحج البصري تسميان (أبوي)، كان يمر بهما حجاج البحرين واليمامة، وهما قريتان في أرض القصيم؛ أحدهما بناها عبدالله بن عامر بن كريز والأخرى بناها جعفر بن سليمان. توجد عيون كثيرة بالمحطة وتنتشر في أرجائها بساتين النخيل. وقد أحاط جعفر بن سليمان قريته بحصن وسماها العسكرة. غير أن مياه القريتين غير عذبة. لذلك كان الأهالي يجلبون مياه الشرب من ماء تسمى العنيزة على بعد ميلين من القريتين، وماء العنيزة تقع في بطن وادي بطن رمة وهي لبني عامر بن كريز. وعلى بعد 9 أميال من القريتين ماء عجلز، وهو ينتصف الطريق بين البصرةومكة. أقيم عليها بركة وآبار، وبني عندها مسجدًا. مران: هي من مياه حرة كشب تقع في واد كثير المياه والأشجار، كان يمر عليه طريق حج البصرة القديم، وهو قاعدة لقبيلة بني هلال بن عامر، وذكر الحربي بأن المحطة محصنة وبها منبر وبها ناس كثير، ووصفها لوغدا "بأنها ماء وقرية غناء وكبيرة وتخيل ، ويروى عن خبر مرور الخليفة أبو جعفر المنصور بها في رحلة العودة من الحج وزيارته لقبر الشاعر الفصيح عمرو. بن عبيد الذي توفي ودفن بها، ورثاه بأبيات شعر. وذكر ابن بليهد عن مران أنها: "منهل كثير الماء، لو أجري على ظهر الأرض لجرى ولكن المحيط به من الأرض سبخة ما تصلح للزراعة وبه آثار إلى هذا اليوم وأصول نخل ودوم ". تمهيد مسار الطريق وتسوية العقبات وردت أخبار عن تسوية الطرق من الحجارة الخشنة التي تؤذي الحجاج والرواحل، فقد ذكر عن حرة كشب وهي ما تعرف ب(حرة المويه أن زبيدة زوج الرشيد أمرت بتنقية الطريق الممتدة من محطة الديثينة إلى قبا على امتداد سبعة وعشرون ميلاً، و كذلك الطريق بين قبا ومحطة مران المسافة أربعة وعشرون ميلاً، وهذه المراحل من طريق الحج البصري تعرف اليوم ب (الطريق المُنَقَّى). الرصف والتفتيت والتكثيف عند محطة القاع يلتقي أحد فروع طريق حج اليمامة بطريق الحج البصري قرب محطة الديثينة حيث أورد لغدا الأصفهاني في كتابه بلاد العرب طريق حج اليمامة الذي يتجه يمين طريق المنار، وذكر أنه يتجه عبر حائل حتى يلتقي بطريق الحج البصري وعند التقاء الطريقين عند الديثينة يمر الطريق عبر قاع الجنوب وهو قاع وحل إذا أصابه مطر، وقد أمر الوالي العباسي محمد بن سليمان (ت 173ه) برصف القاع بالحجارة، وتم العمل بالقاع ولم يتبق من الطريق سوى ثمانية أميال وفي موضعا آخر قدم عبدالله بن سعد الدريس في دراسته طريق حاج اليمامة عبر وادي النعام والحريق وصفًا للرصيف في درب عجلان بوادي نعام بقوله: "درب" عجلان في نعام وعر المسلك تصعده المطايا من جانب الجبل حتى تعتلي قمته، وتنزل منه حيث يبدأ من الشرق ويعود شمالاً، وقد رصف بالحجارة الكبيرة، وصفت أحجاره الجانبية بنظام واحد في سلسلة من التعرجات، حتى تنتهي في مكان يقال له الطخة، وعلى ظهرة الدرب من جبل علية علامات بارزة يراها القادم من وثيلان، ومن ظهرة السلامية ورجوم تهدي سالكيه ترى من بعيد، ومذيلات حجرية". علامات الطريق مما يفهم من لغدا الأصفهاني أن طريق حج اليمامة بنيت عليه علامات الطريق، فهو ينعته باسم طريق المنار ولعله ذات الطريق التي وردت في كتاب المناسك للحربي وهو طريق الجادة بين اليمامة ومكة حينما وصف مراحله بالمنابر. المنشآت المائية كان لظروف جزيرة العرب المناخية الصحراوية أثره في ندرة المياه، فاعتمد السكان بدرجة كبيرة على المياه الجوفية بأشكالها المتعددة من عيون، وآبار، وأحسية، إلى غيرها من مصادر المياه، غير أن إقليمي البحرين واليمامة هما من الأقاليم التي يقترب فيها مستوى المياه الجوفية من السطح، فأهل البحرين ينبطون الماء على القامة والقامتين كما أن تسمية إقليم البحرين تعود إلى جريان الأودية العذبة فيه واتصالها بمياه الخليج العربي المالحة ولهذا سميت بصيغة التثنية بحرين ومن مصادر المياه المرتادة على طرق الحج: الآبار أورد لغدا الأصفهاني في كتاب بلاد العرب أسماء العديد من الآبار الواقعة على طريق حج البحرين واليمامة المار على حائل، ذكر العديد من مواضع المياه منها الراحة وهي مراعي لأهل اليمامة، والمنفطرة، والغزيز وهي من مياه محطة قرقري، وماء اهوى، وأُضمير، وعكاش وهو ماء عليه نخل، وماء الأسودة. كما توجد الكثير من الآبار في فلج، وقد شاهد ناصر خسرو في زيارته لها سنة 443ه / 1051م عدد كبير من الآبار وقال أن هناك أربع قنوات يسقى منها النخيل، وأما زروعهم في أرض عالية يرفع إليها معظم الماء من الآبار. وأشار كذلك إلى بئر ابتناها الحسين بن سلامة على بعد سبعة فراسخ في الطريق من مكة إلى الطائف. العيون: انتشرت بالبحرين على امتداد وادي (الستار) أو ما يُعرف اليوم وادي المياه العديد من العيون التي استصلح بعضها في العصور الإسلامية المتعاقبة، ومثلت مواطن للاستيطان وذكر لغدا أنهم أقاموا عليه مائة قرية منها ثاج ومتالع، ملج، ونطاع وبنيت بها قصورًا وأسواقًا. وفي اليمامة أورد ابن الفقيه أسماء العديد من العيون منها عين (الخضراء) وعين (الهيت)، وعين (الهجرة) بجو، وأضاف أنه بالمجازة يمتد وادي سيحُ الغمر في أسفلها، ونهر سيح النعام الذي تقام عليه قرية النعام المعروفة على طريق حج اليمامة وادي النعام الحريق). مستوطنات قديمة تكاد تكون آثار الاستيطان البشري في المنطقة الوسطى والشرقية من شبه الجزيرة العربية أكثر وضوحا منها في أي جزء آخر، وسبب ذلك يرجع إلى موقع هذه الأجزاء من مراكز الحضارات القديمة واتصاله المباشر مع بلاد الرافدين، وكذلك مع بلاد الهند عبر الخليج العربي الذي يعود تاريخ بعضها إلى حوالي 40000 سنة. (0) تمر طريق الحج البحرين اليمامة على العديد من المستوطنات القديمة، وقد حظيت هذه المناطق حديثا برحلات استكشافية أثرية شملت مناطق الرياض القديمة، و شقراء، الدودامي، العجمة، الخرج الوشم، القصيم، وادي الدواسر، ومن المعروف أن هذه المنطقة تكثر بها التلال الصخرية ذات الكهوف والمقابر. ومن أولى عمليات البحث والتنقيب الأثري في هذه المنطقة العمل المشترك بين إدارة الآثار بالمملكة العربية السعودية والبعثة الدنماركية سنة 1388 ه / 1968م، ونتج عن هذه المجهودات الكشف عن أكثر من عشرين موقعا تعود إلى مختلف العصور الزمنية القديمة من بينها مستوطنات في فلج والعقير ) وكما أشرنا فقد لعبت هذه المنطقة دورًا هامًا في التاريخ الإسلامي إذ شكلت ما يعرف بإقليم اليمامة، ومن معالمها الأثرية الهامة التي لاتزال قائمة إلى يومنا هذا الفاو ماسل الجمح الدودامي، كهف برمة الدرعية، قصر وسد مارد بالأسياح. منشآت ومرافق الطريق التجارية تنتشر على طول طريق الحج العديد من المنشآت التي توفر احتياجات الحجاج خلال رحلتهم إلى الحرمين الشريفين، وهذه الخدمات تختلف باختلاف مكانة المحطات بالطريق، فأغلب المحطات كانت تضم مراكز للتسوق كان يقصدها الحجاج حين وصولهم للموضع، فسوق مدينة فلج وصفت بالعظيمة تحيط بها الدور والحيطان وأشجار النخيل. منشآت ومرافق الطريق الأمنية من أكثر المنشآت الأمنية انتشارًا على طرق الحج القلاع تتحصن بها القرى، ومراكز المدن التجارية وتوفر الحماية اللازمة للقوافل المارة بالمدينة، وبنيت كذلك المنارات التي وزعت على مسافات متقاربة على امتداد الطريق، حتى أطلقت عليه اسم طريق المنار أما الحربي في المناسك فأحصى محطات الطريق بالمنابر، ويبدو لنا أنه استغلت لتكون مراكز مراقبة هجوم قطاع الطرق، ولا شك في أن هذا النظام الدفاعي كان منتشرا بالجزيرة العربية منذ الفترة التي سبقت مجيء الإسلام، واستمر قائما لمراقبة أمن الطرق التجارية وطرق الحج. وقدم لنا الهمذاني في حديثه عن قصور منطقة الأفلاج وصف هندسة بناء الحصن، وأشار إلى كثرة عدد حصون اليمامة والبحرينوالأفلاج، وذكر عدد منها وهي تكون عادة محاطة بأراضي زراعية ومقامة على مصدر دائم للمياه من عيون، وأودية، وآبار، وقال أن بناء القصر عادة ما يختار له المناطق المرتفعة، أما أن تكون أكمات طبيعية، أو ربوات صناعية من طين. وقد زودت القصور المنتشرة على طول الطريق بوسائل دفاعية استغلت من جانب الأهالي للدفاع عن قراهم، وحماية من يمر بهم من المسافرين أو من يستجير بهم من ملاحقة اللصوص وقطاع الطرق، وما زالت بعض هذه المنشآت قائمة إلى يومنا هذا وهي بحالة جيدة. من هذه القصور قصر سلمى الموجود بمذراع (مدينة البديع الحالية، وذكر ابن خميس في دراسته وصف مفصل للشكل الهندسي لأحدى القصور وهو المسمى بقصر سلمى قصر سلمى قصر عظيم يحاط بأربعة أسوار عظيمة وكلما ارتفع الجدار قل العرض فآخر الجدار متر واحد وبين السور والآخر ألف متر، وارتفاع السور عشرة أمتار، والقلعة مصممة على شكل سداسي، في كل زاوية منها برج كبير للمراقبة والدفاع ولها سور عظيم عرضه من الأسفل أربعة أمتار وارتفاعه عشرة أمتار ويحيط به خندق عرضه عشرة أمتار وعرضه كذلك، ويملئ بالماء عند الاقتضاء". قوافل الحج وتنظيماتها تنظم قوافل الحجاج بإشراف مباشر من سيد القرية أو الحي ويكون ذلك بإحصاء عدد من يريد التوجه للحرمين الشريفين ثم يتدبر أمر انضمامهم إلى القافلة وبذلك تتكون مجموعة من الحجاج أو ما عرف بالخبرة، وهي تتكون من عشرة حجاج يتفقون على كل ما يخصهم أثناء الطريق من مصروفات، ومن مجموع الخبر تتكون القافلة، التي يترأسها أمير الركب. عادة ما كان يجتمع الحجاج في جماعات كل مجموعة تضم تقريبا عشرة أشخاص، وهذه الجماعة تسمى خبرة، كانوا أفرادها يشتركون في السفر الطعام والشراب وفي النفقات، وإذا ما اجتمعت عشر خبر ووصل عددهم لمئة حاج أمروا عليهم أمير الحاج من أهل البلد، فعرف مثلا حجاج الحريق، وحجاج شقراء وحجاج الخرج ... وغيرهم. ثم تلتحق بهم ركاب الحجاج من البلدان المجاورة. وقد أشار ابن بليهد إلى أن الركب الذي ترأسه سنة 1332ه كان يضم عدة خبر وكانت أفراد الخبرة متكافلون ويتبعون أعراف خاصة لمعالجة المشاكل التي تعترضهم أثناء الرحلة، فمن ذلك كانت لديهم جمل أو كلمات خاصة يتداولونها فيما بينهم للإعلان عن وقت النزول أو الارتحال أو البحث عن الضائعين أو المتأخرين منهم وهو ما يسمونه بالتنويه، أو النبهة، أو المنادي فذكر الدريس أنهم كانوا ينوهون بالحاج بكلمات تعرفوا عليها ويرددها أفراد الخبرة كي يعرفوا المفقود منهم، وتلحن هذه الكلمة بطريقة الحذاء بحيث تعطى بعض الحروف عدة حركات ويتناوب على التصويت اثنان، ويبدأ في التنبيه عند اجتماع الخبرة كما تقال في موسم الحج في منى وعرفات. يتم البدء بالتجهيزات قبل موعد خروج القوافل لفترات كافية، فكان على كل حاج ترتيب حاجياته الخاصة بالرحلة، وبعد عيد الفطر بيوم أو يومين كان الحجاج في الحريق والمناطق المجاورة يستعدون للخروج للرحلة، وأفاد الإدريسي بأن الرحلة من اليمامة إلى الحرمين بإحدى وعشرون مرحلة وحددها ناصر خسر. و في ثلاثة عشر يوما أما عبدالله الدريس فقال بناء على الروايات الشفهية التي جمعها من سكان الحريق أن الرحلة من موطنه بالحريق تكون ما بين تسعة عشر يوم إلى عشرين يوما. وكان يتم التنظيم لتجمع ركب الحجب بتقاليد متعارف عليها للأهالي فيجتمع أهل اليمامة ومن التحق بهم من بلاد البحرين نحو المكان المخصص لتجمع الحجاج، وعادة ما يتزامن ذلك بعقد الأسواق لكي يحصل الحجاج على مستلزمات الرحلة، وهنا كانت تعرض منتوجات أهل البادية من سمن وجمال وأقط، ومنتجات زراعية كالتمر، ولوازم السفر وحاجيات الحج من ألبسة وأغطية وفرش وأواني... وغيرها، وفي هذه السوق كانت تتم عملية تأجير أو بيع الإبل للرحلة. (13) ثم يبدأ الحجاج في تجهيز رواحلهم وأروائها وتعبئة المياه وتجميع الأمتعة وربطها على ظهور الإبل. وتجهز كذلك المحمل أو الهودج لنقل النسوة ويجعلون إحداهن على طرف والأخرى على الطرف المقابل، وإن كانت إحداهن أثقل من رفيقتها تضاف للخفيفة منهن أمتعة حتى يتعادل الجانبان في الوزن، وعرف كذلك في البادية ما خصص لامرأة واحدة وكان يسمى المقصر، أو الغبيط. يضم ركب الحاج العديد من الموظفين الذين أوكلت إليهم مهام معروفة لدى أفراد الركب، وعلى رأسهم أمير الركب والأدلاء، والرفقة، والمبشر أو المخبر. أمير الركب وهي أرفع الوظائف شأنا، وهو من توكل إليه مهمة تنظيم حركة سير القوافل بالطريق، وقد أفاضت كتب الفقه في الحديث عن مهام أمير الركب، ويشترط فيه التقوى والأمانة والعلم والقدرة على اتخاذ القرار الصحيح لتفادي أخطار الطرق. الدليل: يُسمى من يدل الحاج بجد ب(دليلة الحاج)، وكذلك العراف أي الذي يعرف مجاهل الطريق، ويشترط فمن يتولى هذه الوظيفة معرفة مواقع المياه والخبرة بمدى جودتها وصلاحيتها للشرب أو استهلاك الرواحل، وكذلك درايته بمواقع النجوم والأفلاك لكي لا يضل بالركب ليلاً، ومعرفة مواضع العلامات بالطرق من تلال وجبال وغيرها من الإشارات للتعرف على قدر المسافات المقطوعة وما بقي من مراحل، إلى جانب ذلك يجب أن يكون على دراية بعادات القبائل وسلوك أفرادها، وأن يكون شجاعًا فصيحا، كما يشترط فيه الصدق والأمانة ومعرفة مواقيت الصلاة. الرفق وهو من يرافق القافلة في الطريق إجارتها من القبائل القاطنة على طريق الحج لقاء أجر معلوم، وهو ما يقابل خفير. السواق وهو من يرافق بعير المحامل عندما يثور لكي يجنبه الأماكن الوعرة. اللصوص وقطاع الطرق. القناصة وهم من يقومون بحماية القافلة من اعتداء المبشر وهو من يسبق القافلة بمراحل لنقل خبر قرب وصول القافلة إلى المدينة، أو نقل أنباء أي اعتداء أو مشاكل صادفتهم بالطريق، وكان لكل خُبرة مبشرًا يتقدمهم وعادة ما يركب راحلة خفيفة لا تبطئ سرعتها ثقل الأمتعة، وربما يُعطى المبشر بشارته، من ذوي الحجاج. خدمات قوافل الحجاج بالطريق من بين الخدمات التي تقدم للحجاج بالطريق الاستضافة وتوفير مكان للمبيت في بعض المحطات، كما يقدم لهم خدمة إيداع ما تقل من أمتعتهم، حيث خصصت في بعض المحطات القريبة من الحرم محلات خاصة لإيداع حاجيات الحجاج بأجر حتى حين عودتهم، وذلك حتى يتسنى للحاج إقامة شعائره دون أن تبطئ حركة تنقله بين المشاعر المقدسة ثقل الأمتعة، وقد حوت محطتي عفلانة وعشيرة الواقعتين قرب عفيف محلات خاصة لذلك كان أمير الركب ومن معه من الأدلاء هم من بيدهم أمر المسير أو التوقف أثناء السفر، ولأدلائهم من يتقدمون الركب عند اقترابهم من المنزل التالي، ورحلة اليوم الواحد عادة ما كانت تتخللها فترات تتوقف فيها القافلة الاستراحة وقت الضحى وفي الليل وقت العشاء. المُضَحَّى: يكون تقريبا مع منتصف النهار، كان يختار للتوقف مكانا مناسبًا من حيث توفر الماء والكلأ للدواب، وفي هذه الاستراحة تقف القافلة لتجهيز القهوة والغداء، وقد يخرج بعض الحجاج ليصطادوا ما يجدونه من طيور أو غزلان، وعادة ما يأدون صلاتي الظهر والعصر جمعًا. المعنى: ويكون بعد مجيء الليل وجاءت التسمية من وقت نزول القافلة إي انه وقت العشاء، وفي هذه الأوقات كانت القافلة تتوقف للعشاء والراحة من سفر ويتوضأ الحجاج ويؤدون صلاة العشاء، ثم يردون الماء ويجهزون رواحلهم الرحلة يوم جديد، وأحيانًا يعدلون عن المبيت بالموضع ويواصلون السير ليلاً في حالة تخوفهم من خطر ما بالموضع، ويسمى سفرهم ليلاً بالمسرى ومن بين العادات المرافقة لسير الرواحل بالطريق حذاء الراكب على ظهر الإبل، وهو من عادات العرب القديمة، ويقال إن سماع الإبل الحذاء ينشطها فتخف حركتها وتسرع في الخطى، كما أن الحذاء يطرد الملل والسأم والنعاس عن الراكب. المخاطر الأمنية في الطريق كانت رحلة الحج من البحرين واليمامة تحفها مخاطر أمنية جسيمة، لأن الطريق تعبر مناطق سكانية مبعثرة تفصل بينها مساحات شاسعة خالية من أي مظاهر للاستقرار السكاني وبالتالي فهي خارج نفوذ الدول القائمة بالمنطقة. وفي واقع الحال أن الأوضاع الأمنية بمحطات الطرق التجارية بكامل شبه الجزيرة العربية ظلت تعاني من خطر قطاع الطرق واللصوص حتى مع فترات قوة سيطرة الدول، واتخذت مجموعات قطاع الطرق مغارات المرتفعات الصخرية لتكون مأوى لها، وقد عرف على مر التاريخ الإسلامي العديد من اللصوص وقطاع الطرق الذين ترصدوا لقوافل الحجاج الآتية والآيبة من الحرمين الشريفين، ولم يكن طريق حج البحرين واليمامة بمنأى عن هذه التهديدات فقد سبب الفراغ السياسي في المناطق المارة عبرها طرق حج البحرين واليمامة في حالة من الصراع الدائم بين القرى والقبائل القاطنة على الطريق، وفي منتصف القرن الخامس الهجري / الحادي عشر الميلادي وصف ناصر خسرو - الذي عاد من رحلته إلى الحج سنة 442 ه / 1051م عبر طريق الطائف - فلج (اليمامة) - بعد خروجه من مدينة الطائف وصف لنا حالة القرى القائمة على الطريق بقوله :" وقالوا وليس لهذه الناحية حاكم أو سلطان، فإن على كل جهة رئيسا مستقلاً، ويعيش الناس على السرقة والقتل وهم في حرب دائم بعضهم مع بعض. وتحدث كذلك ابن مجاور عن طبيعة الحياة داخل هذه القرى والحصون وذكر أن لكل قرية قلعة مبنية من حجر وطين وخصصت لكل مواطن حجرة يضع فيها أملاكه وما ينهب ويأخذ منها حاجياته كل يوم، ويقيم السكان في أربعة شوارع واسعة حول القلعة وتخضع كل قرية الشيخها . وبسبب ذلك تواجه قوافل الحجاج تهديد قطاع الطرق، ولذا كان عليها أن تسير وفق الأعراف القبلية السائدة في مناطق العبور، بالمدن والقرى التي كانت تخضع لنفوذ وسيطرة القبائل، ولكي تجتاز القوافل مناطق نفوذها عليها أن تتخذ مجير لها أو دليل من قومهم لكي يعبر بهم أراضي قومه، وبعد أن يدخل في أرض قبيلة أخرى عليه أن يجد من يسلك به الطريق حتى تصل القوافل إلى حدود إقليم حاكم اليمامة. وقد ذكر ناصر خسرو في رحلة العودة من الحج أنه اضطر إلى البقاء بقرية جزع خمسة عشر يوما حتى تحصل على خفير. وبعد أن وصل إلى المحطة التالية أستأجر خفيرين آخرين ليعبرا بهم القرى التالية. قطع الطريق ومنع مرور ركب الحجاج مثلت تهديدات قطاع الطرق لقوافل الحجاج خاصة العائدين من موسم الحج أكبر الأخطار التي تواجههم. وقد اتخذت هذه المجموعات المناطق الجبلية الوعرة لتكون مأوى لها تتحصن به. وقد عرف على مر العصور التاريخية عدد من اللصوص كانت تترصد الحجاج في مختلف الطرق داخل الجزيرة العربية وخارجها. الصعوبات الطبيعية نقصد بها المخاطر التي كانت تعترض رحلة الحجاج وتهدد طرق الحج، فقد كانت الظروف المناخية الصعبة تجبر القوافل على تغيير خط سير الرحلة، كورود خبر عن سيول، أو عدم توفر مياه الشرب بإحدى المحطات على سبيل المثال، كما قد تؤدي حدوث تغيرات مناخية كهبوب العواصف الرملية وانتشار الكثبان الرملية إلى هجر بعض الطرق نهائيا، وتحول المسافرين عنها إلى مسالك أخرى، وفي الواقع لقد مثلث الصعوبات التي اعترضت قوافل الحجاج تحدي كبير لمجهودات الدول في هذا المجال، وإن تمكنت بصورة ما في مواجهة والحد من التهديدات الأمنية، إلا أنها فيما يبدو ظلت عاجزة على تذليل الطبيعية منها. ويمكن أن تتحدد مشكلة الماء بالطريق في شقين وهما: ندرته وصعوبة الوصول إليه، والشق الآخر عدم صلاحيته للشرب فقد عبرت قوافل حجاج البحرين واليمامة بلاد نجد الصحراوية مما يعرضهم لخطر تقلبات الطقس، وندرة المياه الصالحة للشرب بالطريق، ونظرًا لأهمية الماء للمسافرين والحجاج فقد أسهب الجغرافيون مثل لغدا الأصفهاني والهمذاني في وصف الماء بالمحطات موضحين مذاقها وتأثيرها على الجسم. واحتمال توفرها من عدمه. كما وضحت المعاجم الحديثة حالة مصادر المياه مثل ما جمعه ابن جنيدل في كتابه عالية نجد ومعجم اليمامة لابن خميس. المصادر: * طرق الحج البرية وركب الحجاج في العهد الإسلامي من اليمامة والبحرين إلى الحرمين الشريفين/ تأليف د. ربيعة أحمد المداح. * الخرائط .. أطلس الحج والعمرة تأريخًا وفقهًا المؤلف/ أ.سامي بن عبدالله المغلوث