صدر مؤخرًا كتاب «مدن مستدامة في مناخ متغير: تعزيز مرونة المدن» من تأليف البروفيسور سامي بن غرم الله الغامدي وفريقه البحثي في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية «كاوست». يُعد هذا العمل مساهمة رائدة في الخطاب حول الاستدامة والمرونة الحضرية، ويوفر خارطة طريق لجعل مدننا أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تحديات تغير المناخ. حيث تواجه المدن في جميع أنحاء العالم تأثيرات تغير المناخ متعددة الأوجه، بما في ذلك ارتفاع مستوى سطح البحر، وموجات الحر الشديدة، والفيضانات، والجفاف، والعواصف الشديدة. يمكن لهذه المخاطر أن تلحق الضرر بالبنية التحتية الحيوية، وتقلل من جودة الحياة، وتعيق النمو الاقتصادي. كما تحتاج المدن إلى أن تكون مرنة من أجل التعامل مع مخاطر تغير المناخ. تعني المرونة قدرة المدينة على امتصاص الصدمات والتكيف مع التغييرات والنهوض من جديد بعد الأزمات.= «الرياض» التقت البروفيسور سامي الغامدي، الذي أكّد أنّ الحاجة الملحة لفهم العلاقة بين تغير المناخ والبيئة الحضرية وتعزيز المرونة والصمود في المدن دفعته وفريق البحث الخاص به في مختبر العمران في كاوست لكتابة هذا الكتاب، مضيفاً: «نحن مقتنعون بأن المدن هي محركات التطور والابتكار، ولكنها تواجه تحديات هائلة نتيجة التغيرات المناخية المتزايدة. يهدف الكتاب إلى تسليط الضوء على هذه التحديات وتقديم استراتيجيات عملية ومبتكرة لتعزيز مرونة المدن وجعلها أكثر استدامة في ظل التغيرات المناخية المتسارعة». ولفت إلى أنّ الرسالة الرئيسية التي يحاول إيصالها من خلال هذا الكتاب هي أهمية تعزيز صمود المدن وتعزيز استدامتها في ظل التحديات المتزايدة المتعلقة بتغير المناخ، قائلاً: «نحن نؤمن بأن الحلول لهذه التحديات تتطلب تعاونًا متعدد التخصصات ومشاركة مجتمعية واسعة النطاق، وأنه يجب على صانعي القرار ومخططي المدن والباحثين والممارسين العمل معًا لتطوير حلول قائمة على الأدلة وتنفيذ تغييرات جذرية، ويهدف الكتاب إلى إلهام القراء وتمكينهم لاتخاذ إجراءات فعالة وابتكار حلول مبتكرة لجعل المدن أكثر مرونة واستدامة وشمولية وعادلة في مواجهة تحديات تغير المناخ»، وفيما يلي نص الحوار: تحديات تغير المناخ * ما التحديات الرئيسة التي تواجهها المدن في مواجهة تغير المناخ؟ * بعض التحديات الرئيسية التي تواجهها المدن في مواجهة تغير المناخ تشمل ارتفاع درجات الحرارة والظواهر الطقسية المتطرفة: تعاني العديد من المدن من ارتفاع درجات الحرارة وزيادة في الظواهر الطقسية المتطرفة مثل الفيضانات والجفاف والعواصف العنيفة، مما يزيد من التهديدات للبنية التحتية وسلامة السكان. ارتفاع دراجات الحرارة والرطوبة يؤثر بشكل كبير على المباني والمناطق المفتوحة في المدن. أنظمة التكييف والتهوية الحالية تواجه تحديات في مواجهة التغيرات ولا سيما موجات الحر والرطوبة المفاجأة. إلى جانب تهديد الفيضانات الناتجة عن الأمطار الشديدة والظواهر المناخية المتطرفة: تعتبر الفيضانات نتيجة للأمطار الشديدة والعواصف العنيفة من بين التحديات الرئيسية التي تواجه المدن في ظل تغير المناخ، وتتسبب هذه الظواهر في تخطي حدود مجاري الأودية وتسبب فيضانات، مما يؤدي إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة وتأثيرات سلبية على البنية التحتية والاقتصاد والبيئة. إلى جانب ارتفاع مستوى سطح البحر: يتوقع أن يؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر نتيجة لتغير المناخ إلى تهديد المدن الساحلية والمناطق المنخفضة، مما يستلزم تطوير استراتيجيات للتكيف وإدارة المخاطر. وقد تتعرض المدن لنقص المياه نتيجة للتغيرات في نمط هطول الأمطار والتبخر، مما يستلزم تطوير استراتيجيات فعالة لإدارة المياه وتحقيق الاستدامة في الاستخدام، بالإضافة للتأثيرات على الصحة العامة، إذ يمكن أن يؤثر تغير المناخ على صحة السكان في المدن من خلال زيادة انتشار الأمراض المنقولة بواسطة الحشرات وتدهور جودة الهواء وزيادة حدوث الكوارث الطبيعية. ويتطلب التحول إلى مدن أكثر استدامة ومقاومة للمناخ تطوير بنية تحتية مرنة وفعالة من حيث الطاقة والنقل والمياه، وهو تحدي يتطلب استثمارات كبيرة وتخطيط مستدام. وتشير هذه التحديات إلى الضرورة الملحة للتصدي لتأثيرات تغير المناخ في المدن وتعزيز استعدادها ومقاومتها للتغيرات المناخية المتزايدة، وهو ما يتطلب تطوير استراتيجيات شاملة ومتعددة القطاعات لإدارة المخاطر وتحقيق الاستدامة في المدن المستقبلية. استراتيجيات الصمود * ما الاستراتيجيات التي يمكن للمدن اتباعها لتعزيز قدرتها على الصمود؟ * هناك بعض الاستراتيجيات التي يمكن للمدن اتباعها لتعزيز قدرتها على الصمود في مواجهة تحديات تغير المناخ؛ مما سيساعد في بناء مدن أكثر مرونة واستدامة في مواجهة التحديات المستقبلية، وذلك من خلال تعزيز البنية التحتية المقاومة للفيضانات: يمكن للمدن تطوير بنية تحتية مقاومة للفيضانات من خلال تحسين نظم التصريف والتخزين المائي وإنشاء أنظمة الحماية مثل السدود وقنوات التصريف. واعتماد التصميمات العمرانية المستدامة، ويجب على المدن اعتماد التصميمات العمرانية المستدامة التي تشمل استخدام المساحات الخضراء، والتخطيط للتنوع البيولوجي، والتشجيع على النقل العام ووسائل النقل المستدامة. إلى جانب تطبيق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (تكنولوجيا الذكاء الصناعي والإنترنت الذكي)، حيث يمكن لتطبيق التكنولوجيا الحديثة مثل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أن يسهم في تحسين إدارة البنية التحتية وزيادة الكفاءة البيئية والاقتصادية للمدن، بالإضافة لتحفيز البيئي والتشريعات البيئية، من خلال تشريعات بيئية تشجع على استخدام الطاقة المتجددة، وتقليل الانبعاثات الضارة، وتعزيز إعادة التدوير والاستدامة. ويمكن للتوعية والتعليم البيئي تعزيز الوعي بأهمية حماية البيئة وتبني سلوكيات مستدامة بين سكان المدن، مما يساهم في تحقيق تغييرات إيجابية في المجتمعات المحلية، ويجب على المدن التعاون مع القطاعات الحكومية والخاصة والأكاديمية والمجتمع المدني لتطوير وتنفيذ استراتيجيات شاملة للتكيف مع تغير المناخ وتعزيز المرونة في المدينة. دور الأفراد * ما دور الأفراد في بناء مدن مستدامة؟ * دور الأفراد في بناء مدن مستدامة له أهمية كبيرة، حيث يمكنهم المساهمة بشكل فعّال في تحقيق التنمية المستدامة والمحافظة على البيئة، من خلال توعية الجمهور والتثقيف البيئي: يمكن للأفراد المساهمة في بناء مدن مستدامة من خلال تعزيز الوعي بقضايا البيئة والتثقيف بالتصرفات الصديقة للبيئة، مثل تقليل استهلاك الموارد الطبيعية وإعادة التدوير والتوفير في استخدام الطاقة، ويمكن للأفراد المساهمة في الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة من خلال اختيار وسائل النقل المستدامة مثل الدراجات الهوائية أو النقل العام، بدلاً من الاعتماد على السيارات الخاصة. كما يمكن للأفراد المساهمة في بناء مدن مستدامة من خلال المشاركة في المبادرات المجتمعية والبيئية، مثل حملات التنظيف البيئي وزراعة الأشجار وتنظيم الأنشطة البيئية، ويمكن للأفراد المساهمة في بناء مدن مستدامة من خلال التواصل مع السلطات المحلية والمشاركة في عمليات اتخاذ وبناء القرار من خلال نقل وتعزيز الخبرة المحلية وتبني سياسات واستراتيجيات تعزز الاستدامة البيئية وتوفير البيئة المناسبة للحياة. إلى جانب تبني أسلوب حياة مستدام، حيث يمكن للأفراد المساهمة في بناء مدن مستدامة من خلال تقليل النفايات، والاستهلاك المعتدل، والاعتماد على الموارد المتجددة، وباختيار أسلوب حياة صديق للبيئة والمساهمة في الجهود المجتمعية والسياسية، يمكن للأفراد أن يكونوا شركاء فعّالين في بناء مدن مستدامة ومقاومة لتحديات تغير المناخ. خطوات ملموسة * هل يمكنك تقديم بعض الأمثلة للمدن التي تتخذ خطوات ملموسة لبناء قدرتها على الصمود؟ * هناك بعض الأمثلة على المدن التي تتخذ خطوات ملموسة لبناء قدرتها على الصمود في مواجهة تحديات تغير المناخ فمثلاً كوبنهاغن في الدنمارك تعتبر واحدة من المدن الرائدة في مجال الاستدامة البيئية، حيث تسعى إلى أن تكون عاصمة خالية من الكربون بحلول عام 2025. تعتمد كوبنهاغن على الطاقة المتجددة بشكل كبير، وتشجع على استخدام الدراجات الهوائية ووسائل النقل العامة. كذلك تعتمد العديد من سياساتها الحضرية على تطوير البنية التحتية الخضراء مثل الحدائق العمودية وأنظمة إدارة مياه الأمطار. وشيكاغو في الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي تعتمد على تطوير البنية التحتية الخضراء وإدارة الأمطار لتحقيق الصمود والاستدامة. تضم مدينة شيكاغو العديد من المساحات الخضراء وأنظمة إدارة مياه الأمطار المستدامة، وأيضاً فانكوفر في كندا، التي تعتبر واحدة من أكثر المدن استدامة في العالم، حيث تسعى لتحقيق هدفها في أن تصبح خالية من الكربون بحلول عام 2050، حيث تتبنى فانكوفر سياسات تشجيعية لتطوير البنية التحتية الخضراء وتشجيع الاستدامة في جميع جوانب الحياة اليومية. إلى جانب ستوكهولم بالسويد، التي تعد واحدة من المدن الرائدة في تطبيق التكنولوجيا البيئية وتعزيز الاستدامة البيئية. تسعى ستوكهولم لتكون مدينة خالية من الوقود الأحفوري بحلول عام 2040، وتعتمد على النقل العام والطاقة المتجددة بشكل كبير، وروتردام في هولندا، التي يعد نظام الأرصفة المرنة فيها مثالاً على الهندسة المعمارية المرنة لمواجهة الفيضانات، ويتمتع هذا النظام بالقدرة على التكيف مع ارتفاع منسوب مياه البحر، مما يحمي المدينة من الفيضانات، إلى جانب مدينة سيدني بأستراليا، حيث تتخذ سيدني خطوات ملموسة نحو تعزيز مرونتها في مواجهة تحديات تغير المناخ، بما في ذلك تطوير بنية تحتية مقاومة للفيضانات وزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة، بالإضافة مدينة سنغافورة، التي تعتبر واحدة من أكثر المدن استدامة وصموداً لتغير المناخ، وتمتلك نظامًا متقدمًا لإدارة المياه يشمل تحلية المياه البحرية وإعادة تدوير المياه ونظامًا فعالًا لإدارة الفيضانات. وهناك مدينة بورتلاند بالولاياتالمتحدةالأمريكية التي تعد واحدة من المدن الرائدة في الولاياتالمتحدة في مجال الاستدامة، حيث تعتمد على النقل العام وتشجع على استخدام الدراجات الهوائية، وتتبنى سياسات تشجيعية لتطوير المباني الخضراء. * أخيراً، ما رسالتك للقراء الذين يواجهون تحديات تغير المناخ في مدنهم؟ * رسالتي للقراء الذين يواجهون تحديات تغير المناخ في مدنهم هي: لا تستسلموا للتحديات التي تواجهونها، بل كونوا جزءًا من الحلول والتغييرات الإيجابية في مدنكم، قوموا بزيادة معرفتكم بقضايا تغير المناخ وتأثيراتها على مدنكم وحياتكم اليومية. كونوا مطلعين على الحلول الممكنة والتكنولوجيات المتاحة للتكيف مع التغيرات المناخية، انضموا إلى مبادرات المجتمع المحلي التي تعمل على تعزيز الاستدامة وتكييف المدينة مع التحديات المناخية. المشاركة في الحوارات والمبادرات المحلية يمكن أن تساعد في تحسين مدنكم بشكل ملموس، قوموا باتخاذ خطوات شخصية للحد من بصمتكم البيئية، مثل تقليل استهلاك الموارد، والاعتماد على وسائل النقل العام، وتبني أساليب حياة صحية ومستدامة، شاركوا في عمليات صنع القرار على المستوى المحلي، وتعاونوا مع السلطات المحلية لتبني سياسات وبرامج تعزز استدامة المدينة وتكييفها مع تحديات تغير المناخ، على الرغم من تحديات تغير المناخ، فإن التفاؤل والعمل المشترك يمكن أن يحققا تغييرًا إيجابيًا في مدنكم. كونوا محفزين للتغيير وقوموا ببذل الجهود لبناء مجتمع أكثر استدامة ومقاومة للتحديات البيئية. في النهاية، يمكن للقرارات والإجراءات الشخصية والجماعية أن تساهم بشكل كبير في بناء مدن أكثر مرونة واستدامة، وتعزيز قدرتها على التكيف مع تغير المناخ. الحاجة ماسة لإجراءات فعالة تجعل المدن أكثر مرونة في موجهة تغير المناخ إنشاء أنظمة الحماية مثل السدود وقنوات التصريف من استراتيجيات الصمود ضد التغير المناخي