الهندسة الاجتماعية.. هل ستغلق حسابك بعد اليوم؟

نشر المؤثر عبدالله الخريف عبر حسابه في منصة إكس تقرير وصفه "بالخطير جدا" وهو بالفعل كذلك، حول قصة تعرض أحد الفنادق العالمية في مدينة لاس فيقاس لسرقة كبرى والسبب الصادم أن العملية تمت من خلال وفرة معلومات للموظفين في تلك الشركة من خلال استهدافهم عبر مخترقين انتحلوا صفة موظفي موارد بشرية، فيقوم الموظف بتقديم معلومات عنه اسمه ورقمه الوظيفي وسنة توظيفه وبالفعل نجح المخترقون في سرقة 100 مليون دولار لأحد الفنادق، والحقيقة أن منصة لنكد إن بقدر ما هي مغرية للتواجد المهني وتفتح للمهتمين آفاقا مهنية متنوعة، وتطرح من خلالها الكثير من الأفكار المعرفية المتزنة إلا أن المبالغة في الظهور في أي منصة تكون عواقبه بالغالب كارثية، والسر ببساطة في كلمة "الهندسة الاجتماعية" التي تجعل البعض طعما سهلا جدا للإيقاع به أو منظمته أو حتى محيطه المجتمعي والدولي، وقد تكون "الفضفضة" العشوائية هي السمة الأكثر وضوحا لدى بعض المستخدمين المحليين لشبكات التواصل الاجتماعي، بل قد تجد البعض بالفعل "ارتاح" للجمهور الذي لا يعرفه بل قد يوقع به في لمحة عين.
"الهندسة الاجتماعية أقل طرق الجريمة الإلكترونية تكلفة وأعلاها عائدا" هكذا نشر الأستاذ محمد المخلفي تقريره عبر جريدة الرياض عام 2013! محذرا من كمية المعلومات التي يبوح بها الناس عبر الفضاء الرقمي، ونحن اليوم تحت مظلة الأمن السيبراني بحاجة للمزيد من الوعي الاجتماعي عبر الأفراد أنفسهم والأسر والجامعات لحماية أنفسنا ومجتمعنا من التداول العشوائي للمعلومات، في 2020 كتب الأستاذ محمد الحمزة أيضا عبر هذه الصفحات "أي نوع من التلاعب المرتبط بعلم النفس السلوكي يمكن اعتباره هندسة اجتماعية"، 168 % زيادة محاولات التصيد والاحتيال الإلكتروني في المملكة هكذا كشف تقرير الزميل ناصر العماش حول بيانات للحلول الأمنية لأحد شركات الحماية الرقمية نحو ستة ملايين هجمه وتصيد وقعت في 2022.
وحتى تفهم هذه التحديات مهم أن تعرف مسارات الفكرة، حيث تبدأ بالبحث والتقصي عن الضحايا ثم إغراء الضحية بتقديم معلومات أو مزايا أو قصة مزيفة وصول للسيطرة عبر الاستغلال والابتزاز نهاية بالهروب والانسحاب ومسح الآثار، فالمهندس الاجتماعي هنا ليس ذلك الذي يريد التأثير على المواقف الشعبية والسلوك، بل ذلك المهندس المتلاعب الذي يسعى لكسب ثقتك ونزعها من الجميع. بكل حال لم يفت الوقت، أعد حساباتك في ظهورك قنن عباراتك، عندما تحدث قضية مجتمعية وتعتريك الرغبة العارمة للتحدث والإدلاء بدلوك تأكد أن لا يعود إليك مليئا بالشوك، وبعد سنوات من الخبرة في الكتابة سأشاركك سرا صغيرا جدا وناجح "لفش الخلق" وهو أن تعبر عن فكرتك لكن دون الإشارة إلى الاسم والمكان أو حتى الاقتباس للقصة، مرر فكرتك بمهارة دون تجريح أو تصريح، بل فعل دور (الملاحظات) اكتب كل ما تشعر به واتركه 48 ساعة، ثم عد إليه أنا على يقين بأنك ستجد أنه بالفعل غير قابل للنشر.
في الختام، يقول كارل بوبر "معرفتنا لا يمكن إلا أن تكون محدودة، أما جهلنا فغير محدود بطبيعته "وهو الذي يرى أن القابلية للتكذيب هي المعيار الذي يحدد مفهوم العلم التجريبي، فإن المعرفة التقنية متجددة والتعامل معها بعفوية وحسن نية شكل من أشكال الجهل المركب، فهناك دائما للمعرفة وجهين وجه صوري ووجه واقعي وفقا لبوبر والذي تعتبر نظرياته الاجتماعية والفلسفية مفاتيح إنسانية لما نعيشه اليوم، فالمجتمع لديه يتطور من خلال عملية حل المشكلات وأيضا التجربة والخطأ، نعم نحن كائنات اجتماعية نعيش بالاتصال لكن ليكن لاتصالنا معنى ونتوقف عن الحديث دون حاجة، دمتم بخير.