الرحلة الهندية إلى الأراضي الحجازية كتبها صاحبها وهو الرحالة الهندي «رفيع الدين المراد آبادي» منذ أكثر من قرنين من الزمان. والحقيقة أن الكتابة في شبه القارة الهندية عن الرحلة إلى الأماكن المقدسة بدأت باللغة الفارسية التي كانت لغة العلم والعلماء، وإذا كانت أول رحلة بالفارسية خارج شبه القارة الهندية، بدأ المؤلف رحلته من مسقط رأسه مراد آباد سنة 1201 هجرية وعاد من رحلته سنة 1203 هجرية، بعد رحلة استغرقت -كما ذكر- سنتين وشهرين وأسبوعين. لقد وصف الطريق والرفيق، ووصف المدن والقرى، وكتب عن الأمور الاجتماعية التي تضمنت وصفه للبشر وفئات المجتمع وطبقاته، كما ذكر العلماء والأدباء والمدارس وحلقات الدرس أينما ذهب وحل، ليس هذا فقط بل كتب عن الأمور الاقتصادية في تلك الحقبة من الزمان ذاكراً الأسواق، والعملات النقدية والبيع والشراء والكراء وحتى الصناعة وتطورها. يقول في كتابه: كانت غرة رمضان يوم الجمعة، وفي رمضان يزداد زحام الناس داخل المسجد الحرام منذ الليلة الأولى، فهناك جماعة كبيرة تصلي التراويح، بينما جموع من الناس غفيرة ذهبت إلى التنعيم ليحرموا من هناك لأداء العمرة، وقد لاحظت أن معظم الموجودين بالمسجد الحرام يصلون العشاء مع أول جماعة وهي المالكية وبعد ذلك يصلون التراويح في جماعات متفرقة، ويختم أئمة المذاهب الأربعة القرآن الكريم في صلاة التراويح، ويضيء كثير من الناس صحن الحرم الشريف بالقناديل والفوانيس والشموع، ويطوف بعض الناس بالكعبة بعد كل ترويحة ويركعون بعد ذلك ركعتين، وبعض الشافعية يصلون بعد تراويح آخر الليلة ست عشرة ركعة جماعة. ومجمل القول: إن ما يشاهد هنا عجيب ومثير، والإنسان يشعر بحلاوة الذكر والتسبيح والتلاوة والتكبير وهذا مما يعجز القلم عن تسطيره، ويعجز اللسان عن وصفه، فإذا ما قضيت التراويح انتشر أهل مكة عائدين إلى بيوتهم، بينما تفتح دكاكين مكة أبوابها إلى وقت السحور، أما القناديل فتظل مضيئة بشكل مثير تجذب الزبائن إلى حيث المأكولات الجاهزة والفواكه المصفوفة فيعم الزحام على المحلات، ومن الملاحظ أن الأسواق والمحلات هنا تزدان في الأعياد والمناسبات وتعج بالناس. المصدر:( كتاب الرحلة الهندية إلى الجزيرة العربية / رفيع الدين المراد آبادي)