أهل الجنة يزور بعضهم بعضاً، ويجتمعون في مجالس طيبة يتحدثون ويذكرون ما كان منهم في الدنيا وما منّ الله به عليهم من دخول الجنان، قال تعالى في وصف اجتماع أهل الجنة: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ عَلَ إِخْوَانًا عَلَى مرد متقبلين)، وأخبرنا الله عز وجل بلون من ألوان الأحاديث التي يتحدثون بها في مجتمعاتهم: (فأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ. قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ. فمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ. إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُ الرحيم)، ومن ذلك تذكرهم أهل الشر الذين كانوا يشككون أهل الإيمان، ويدعونهم إلى الكفران: (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ. قَالَ قَائل منْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ. يَقُولُ أَءنَكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ. أَءذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وعِظَامًا أَءنَا لَمَدِينُونَ. قَالَ هَلْ أَنتُم مُطَّلِعُونَ. فَاطَّلَعَ فَرَءاهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ. قَالَ تَاللَّهِ إِن كُدتَ لَتُرْدِينِ. وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ. أفما نَحْنُ بِمَيتينَ. إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذِّبِينَ. إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ). روى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك، أن رسول الله قال: "إن في الجنة لسوقاً، يأتونها كل جمعة، فتهب ريح الشمال، فتحثوا في وجوههم وثيابهم، فيزدادون حسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسناً وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً، فيقولون: وأنتم، والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً". قال النووي في شرحه لهذا الحديث: والمراد بالسوق مجمع لهم يجتمعون كما يجتمع الناس في الدنيا في السوق، ومعنى يأتونها كل جمعة، أي في مقدار كل جمعة، أي أسبوع، وليس هناك حقيقة أسبوع، لفقد الشمس والليل والنهار، وخص ريح الجنة بالشمال، لأنها ريح المطر عند العرب، كانت تهب من جهة الشام، وبها يأتي سحاب المطر، وكانوا يرجون السحابة الشامية، وجاءت في الحديث تسمية هذه الريح (المثيرة)، أي المحركة، لأنها تثير في وجوههم ما تثيره من مسك أرض الجنة وغيره من نعيمها (2). (كتاب الجنة والنار)