الرحالان الفرنسيان إدموند كومب وموريس تاميزييه بدآ بالحديث عن جولة قاما بها في البلاد العربية، فإنهما تحدثا عن رمضان والاحتفالات التي تليه حيث قالا: كنا في يناير عام 1835م وبعد الرحلة التي قام بها كل منا على انفراد التقينا في جدة إبان شهر رمضان وعلى الرغم من أن صبرنا كاد ينفد شوقاً للتوجه إلى الحبشة فإن رغبتنا في حضور الاحتفالات التي يعيشها المسلمون بعد انقضاء شهر الصوم جعلتنا نحزم أمرنا على الإقامة بعض الوقت في ذلك الميناء قبل الإبحار نحو الحبشة. خلال شهر التعفف هذا يعيش المسلمون في أثناء النهار حياة هادئة معتكفين في بيوتهم فمنذ طلوع الشمس حتى غروبها يمتنعون عن الطعام والشراب، وعن التدخين وعن إتيان نسائهم. ولنا أن نتخيل ما يعانونه من مشاق في اتباع هذه الفريضة، ولن تعترينا الدهشة لرؤيتهم يتخذون كل الإجراءات الممكنة للابتعاد عن كل أشكال الجهد والتعب فشوارع مدنهم كئيبة يخيم عليها الصمت وإذا توجهنا بالحديث إلى بعض المسلمين المتقين فإنهم لا يجيبون إلا بإعراض ملحوظ لأنهم يخشون إن كلموك أن يبدر منهم ما يفسد صيامهم. كل مقاهيهم ومحالهم مغلقة ولولا وجود الفقراء الذين لا يمكنهم الركون إلى الراحة وإلا فإن صيامهم سيكون لمدة أطول لأمكن القول إن جدة مدينة مهجورة. ولكن ما إن يحل الظلام حتى يصحو كل شيء ويسارع الناس إلى المقاهي وتعلن منارات المساجد التي تشع منها الأنوار وفي أعلاها الهلال أن الليل مليء بالحيوية وإن تلك الحركة الشاملة ذلك الضجيج وذلك الذهاب والإياب في وقت ينبغي فيه أن يركن الجميع إلى الراحة إن تلك الحركة التي نلاحظها في المنازل كلها، والأضواء الباهتة التي نراها في محلات التجار الذين يمارسون أعمالهم في ظلام دامس في شوارع ضيقة ووعرة، صرخات الفرح والأهازيج تمنح جدة مظهراً خاصاً أصيلاً، إحسان المسلمين إلى خدمهم، وعن تنظيف الشوارع، ورش الممتلكات بالمياه، وعن النظافة المعجبة. رحلة في بلاد العرب/ المؤلف:موريس تاميزييه