العبث بأفكار ومشاعر الناس قديم جدا وبدأ منذ تعلم الإنسان القراءة والكتابة، وتطورت أساليبه وأشكاله مستغلة تطور وسائل الوصول للناس والذين يحق لنا تسميتهم بالضحايا، لأنهم في الغالب يقعون ضحايا ذلك الإيهام غير المستند لحقائق وإنما يهدف لربح مادي هو في الواقع خسارة للقيم والأخلاق والمبادئ، وبالتأكيد خسارة في الآخرة لأنه في الغالب تدليس وخداع. ضحايا ذلك العبث بالفكر والصحة والمشاعر والاستقرار الاجتماعي هم في الغالب المراهقون والمرضى والزوجات والأزواج والشباب في سن الزواج، وبدأ عندنا، أو قل عرفته وتعرفت عليه منذ خمسة عقود تقل قليلا، وكان يمارسه بعض المؤلفين بكتيبات تداعب المشاعر وتراهن على نقص الوعي وتستغل الحاجة للمعلومة دون الجدية في التثبت من المصدر، ومن أمثلة تلك المؤلفات وأشهرها ما يحمل عنوان (حياتنا الجنسية) ويستغل الشغف للمعرفة في هذا الجانب الغامض، بل الماء العكر الذي يسهل الصيد فيه، وقد كان لحكمة وحرص القائمين على هذا البلد الأمين أن تم منع دخول مثل تلك المجلات أو الكتيبات، وكانت الجهات الرقابية تحارب هذا الاستغلال والوهم وتمنعه، لكنها مثل كل الممنوعات كانت تجد من يستغل منعها فيبيعها على الأرصفة وفي الزوايا المستترة، فكنا نشاهدها على أرصفة الحراج في بطحاء الرياض وربما وجدها أهل جدة والدمام ورفحاء وجازان في أماكن مشابهة. اليوم الوضع تغير كثيرا فمواقع التواصل الاجتماعي تصعب رقابتها والتحكم فيما يرد فيها، لكن المحاسبة اللاحقة على من يستغلها للإساءة والضرر سهلة وممكنة وفق أنظمة واضحة، فالحبل ليس على الغارب لمن هب ودب كما يعتقد البعض، لكننا في أمس الحاجة لتعريف المعلومة المضللة والمحاسبة عليها، لذا فقد اقترحت كثيرا ومرارا وتكرارا أن نحتكم في أمر المعلومة المضللة أو التدليس أو الإفتاء بغير علم إلى طلب المرجع العلمي المحكم الذي يستند عليه من يورد المعلومة، وأن أي معلومة ترد غير مدعومة بالدليل العلمي المنشور في بحث علمي محكم ومنشور في مجلات علمية متخصصة، يحاسب من أوردها ويعاقب بالغرامة أولا ثم إيقاف الحساب، وهذا ينطبق على المعلومات الصحية والطبية والدوائية والنفسية والاجتماعية والعلاج بالأعشاب والخلطات والإفتاء في مجالات تربية الأطفال والزواج والطلاق والعلاقات الأسرية وكل معلومة تؤثر على العامة وتغريهم أو تنفرهم أو تدلس عليهم. لقد ضاقت سحابة الإنترنت بالمفتين دون علم ولا دليل وبالباحثين عن الشهرة والمتابعين ولفت الانتباه والمدلسين والعابثين بمشاعر الناس وحاجتهم للشفاء واستعدادهم للتعلق بأي قشة أو معلومة وكثر المتربصون بهم في زوايا (إكس) و(واتساب) و(تيك توك) و(سناب شات) من كافة أنواع الحسابات المفترسة: ذئاب وضباع وثعابين وتماسيح، فلابد من حماية الضحايا مع رفع وعيهم تدريجيا وإلا خسرنا كثيرا صحيا واقتصاديا واجتماعيا ونفسيا.