عرفت المملكة العربية السعودية المجالس الاستشارية من قديم وقبل إعلان توحيدها في سبتمبر 1932م، حيث اتخذت المملكة من الشورى مبدأ حاكمًا يستمدّ توجهاته من الأسس الشرعيَّة لشريعتنا الإسلامية الغرّاء. وجاءت دعوة الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- لتأسيس مجلس يجمع أصحاب الرأي والمشورة في مكّة المكرّمة لإنفاذ أحكام الله في أرضِه المقدَّسَة وبلاده المُطهّرَة، فتأسس أوّل مجلس استشاري من 12 عضوًا في عام 1924م باسم "المجلس الأهلي"، أعقبه إطلاق "المجلس الأهلي الشوري" وهو مجلس يُختارُ أعضاؤه بطريقة تجمع بين الانتخاب والتعيين، ويختص بتنظيم أمور القضاء، والأمور البلدية، والأوقاف والتعليم، والأمن والتجارة. وكان التحوّل الشوري الأبرز في المملكة عام 1926م بإنشاء مجلس بديل، أُطلِقَ عليه "مجلس الشوى"، ثمّ طرأ على ذلك المجلس تعديلات كثيرة لأحكامه الخاصَّة ونظامه، فتغيّرت أعداد أعضائه من 12 عضوًا إلى ثمانية أعضاء إلى إطلاقِ عدد أعضائه، فمرّة تشكّل المجلس من رئيس وستين عضوًا، وفي دورة أخرى تشكَّل من رئيس وتسعين عضوًا، وفي ثالثةٍ تكوّن من رئيس ومئة وعشرين عضوًا، إلى دورة رابعةٍ ضمّت رئيساً ومئة وخمسين عضوًا. وفي عام 2003م تحقق لمجلس الشورى إنجاز وتأكيد لدور المملكة في العالَم، بانضمامه عضوًا فاعلاً في منظمة الاتحاد البرلماني الدولي. وشهد المجلس تطوّرات نوعيَّة خلال مسيرته، كان أبرزها ما أقرّه الملك عبدالله بن عبدالعزيز بعد توليه السلطة عام 2005م من تعديلات في بعض مواد نظام المجلس بما يساير عملية التنمية ويحقق رفاهية المواطن وازدهار الوطن. كما شهد عام 2013م تعديلًا مهمًا للمادة الثالثة من نظام المجلس، إذ سُمِحَ بتمثيل المرأة فيه لأوّل مرّة في تاريخ المملكة بنسبة لا تقلّ عن 20 % من عدد الأعضاء، وعيَّنَ الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- 30 سيدةً في تشكيلة المجلس المكوّن من 150 عضوًا. ولمّا كانت سلطة المجلس تنظيمية بالتعاون مع مجلس الوزراء، فقد أكَّدَ مجلس الشورى منذ تشكلاته الأولى من بدايات تأسيس الدولة على أنّ الحاكم لا يستأثر بالأمر دون مشورة رعيته أو ممثليها في جميع الشؤون التي تهمّهم، فكان المجلس حلَقة وصْلٍ، وصوتًا ناصحًا مؤازرًا للمسيرة، داعمًا لرفعة الوطن، ونُصْرةِ قضاياه، وجاء المجلس تعبيرًا عن التلاحم بين الحاكم والمحكوم، بل وعينًا واعيةً تُراقِبُ الأداء وتقيِّمه وترفع التوصيات اللازمة للتطوير والتغلب على التحديات. وفي ظلّ هذه المسيرة الطويلة لمجلس الشورى تعاظم دوره في ظلّ قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله ورعاه-، حيث شارك المجلس بلجانه المتخصصة التي بلغت (15) لجنة في دراسة المشاريع والأفكار والمقترحات التي شكّلت رؤية المملكة وتطلعاتها الطموح، والتي أعلن تفاصيلها وليّ العهد، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله ورعاه- في رؤية المملكة 2030م. وهذا الدور الاستشاري المهم الذي يقوم به المجلس في إبداء الرأي وتقديم المشورة الصائبة في شتّى المجالات، والتواصل مع جميع الأجهزة الحكومية، ودفع عجلة التنمية، وتقديم تقارير مراقبة أداء الحكومة في صورة تتسم بالشفافية والنزاهة والوضوح، تجعله شريكًا في صناعة القرارات، وتصحيح المسارات بما يحقق مصلحة الوطن والمواطن. ولا شكّ أنّ عطاء قرنٍ كاملٍ من التجربة الشورية المستنيرة في المملكة، تحصد المملكة ثماره، انطلاقةً وثّابة، وترسيخ مكانةٍ في محيطها والعالَم، كما يؤكِّد الخطاب الملكي الذي يلقيه الملك في بداية كل سنة شورية على تقدير القيادة لدور هذا المجلس الوطني رقابةً وتشريعًا في مسيرة التنمية الشاملة وتطوراتها التاريخية.