تتضمن رؤية المملكة (2030) برنامجاً وطنياً يعنى بتطوير جودة الحياة، هذا وإن تحقيق أعلى درجات الصحة النفسية من أهم قواعد جودة الحياة. ولهذا نحن نقف اليوم من أجل الأفراد الذين هم المجتمع المحلي، الذي هو في حقيقته حجر الزاوية في رؤية الوطن الطموح لقائدنا الملهم صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله ورعاه-. يواجه إنسان القرن الحادي والعشرين تحديات عالمية جمة، لعل أبرزها الزحف المعلوماتي الكبير، والتحولات الاجتماعية والاقتصادية المطردة، فهنا كوارث طبيعية، وهناك نزاعات وحروب دولية، وبين هذا وذاك عالم متسارع التغير، لا يكاد المرء يألف فيه شيئاً فكل ما هو جديد يصبح متجدداً في كل لحظة. إن عجلة الحياة لا تتوقف ولا بد أن يتماهى الفرد معها متسلحاً بالقيم الإيمانية كالرضا بالقدر والصبر والتصبر، ممتطياً صهوة جواد الصلابة النفسية والقدر على التكيف، وإما أن يصبح حطاماً نفسياً تحت أسنتها. وهذا يضعنا أمام تساؤل جوهري: كيف نصبح أقوياء وصلبين نفسياً؟ ففي حين تتعالى الأصوات التي تطالب الأفراد بالتحلي بالإيجابية، والبعد عن السوداوية والتشاؤم ممن يصنفون أنفسهم مختصين في مجال الصحة النفسية، دون أن يقدموا تعريفاً للإيجابية ابتداءً، وما الأساليب العملية لتحقيقها، نجد الفرد الغارق في عمق المعاناة النفسية حين تطرق سمعه مثل هذه الصيحات يجعل أصابعه في آذانه ويستغشي ثيابه متوارياً بضعفه النفسي وقلة حيلته، فمثل هذه المواساة الإنشائية لا تقويه بل تزيد من ضعفه، وقلة حيلته وهوانه، ولسان حاله كما قال الشاعر: لا الناس تعرف ما بي فتعذرني ولا سبيل لديهم في مواساتي إن التحلي بالصلابة النفسية ضرورة حتمية، للتكيف مع الواقع المعاصر، وللحماية من الوقوع في مغبة الاضطراب النفسي، وآثاره المجتمعية. وعليه نحن أمام تساؤل مها ماذا نعني بالصلابة النفسية؟ وما سمات الشخصية الصلبة نفسياً؟ وكيف نعزز الصلابة النفسية لدى النشء؟ يعرف الباحثون الصلابة النفسية بأنها مصدر نفسي مؤثر يسمح بتخفيف التهديد الكامن في أحداث الحياة الضاغطة - خسارة أو فشل أو إحباط - ومقاومة التوتر الناتج عنها والحفاظ على الصحة العامة رغم ظروف الحياة شديدة التطلب. إن نمط الشخصية شديدة الاحتمال يظهر الأفراد من خلاله مجموعة سمات أهمها: قوة القيم الإيمانية كالتسليم والرضا، والتعلم المستمر والاكتشاف، والمساندة الاجتماعية تقديماً وتلقياً، والبعد عن معايير الأداء المثالي (الكمالية العصابية)، وإيجاد المعنى، والتحرر من المعتقدات الخاطئة، الناتجة عن الاتجاهات الشائعة حديثاً والتي تحصر جودة الحياة في القيم الاستهلاكية والمادية. وعليه ينبغي إكساب النشء الذين هم أمل المستقبل، وعدة الطموح، والغد المرتقب مقومات الصلابة النفسية من خلال مجموعة من الأساليب التربوية منها على سبيل المثال لا الحصر: البعد عن أساليب الحماية الزائدة في التربية، وتدريب الأبناء على تحمل المسؤوليات بحسب قدراتهم وميولهم، وتدريبهم على التعبير اللفظي عن مشاعرهم ومخاوفهم وأهدافهم وتقديم الدعم النفسي اللازم لهم.