تحدثنا في مقال الأسبوع الماضي عن أهمية خلق مناعة فكرية لدى شباب وشابات هذا الوطن، وهي المناعة التي تحمي الفكر من المؤثرات الداخلية والخارجية غير الوطنية، والتي بدورها تؤثر سلباً على انتمائه لوطنه، وتهدد هويته الوطنية، هذه الأفكار والتي هي بحاجة إلى العمل على تعزيز المناعة في عقولنا ضدها ليست دائماً أفكاراً خارجية أو دخيلة، فقد تكون هذه الأفكار أفكاراً تاريخية مرتبطة بزمن معين فيتم استحضارها في غير سياقها للتشويش على الانتماء الوطني للشباب، ويبقى السؤال: ما النطاق الأهم والأمثل لصناعة هذه المناعة الفكرية؟، إنه وبلا شك التعليم. فالمناهج التعليمية يجب أن تكون وطنية تنطلق من الوطن وقيادته نحو العالم الفسيح، وليس العكس، حيث مرت بمناهجنا التعليمية فترات كان التركيز فيها على بعض الدول والإمبراطوريات وفترات التاريخ أكبر من التركيز على الوطن منذ تأسيسه عام 1137ه، وهذا خلق جيلا من الشباب انتماؤه وارتباطه العاطفي لهذه الدول والإمبراطوريات والفترات التاريخية أكبر من انتمائه لوطنه. ومع النقلة الكبيرة التي تمت في مناهجنا التعليمية لا سيما مناهج مواد الهوية الوطنية إلا أن الأمر بحاجة إلى مزيد من العمل في هذا الاتجاه، فصناعة القدوة الوطنية في هذه المناهج وفق أسلوب علمي دقيق، ومصفوفة مدى تتابع واضحة سيكون لها الأثر الواضح في تعزيز المناعة الفكرية لدى الطلاب، فعندما تبرز القدوة الوطنية وسبب اختيارها، وما قدمته لوطنها فإن المتلقي سيقتدي بها ويتأثر بما تحمله من قيم وطنية، وهذا يقودنا إلى موضوع صياغة منظومة "قيم وطنية" يتم انتقاؤها بما يتواكب مع المرحلة ويحقق مستهدفات رؤية المملكة 2030، ويتم غرس هذه القيم عن طريق العديد من المجالات ومن أهمها المناهج التعليمية، هذه القدوات الوطنية، وهذه القيم الوطنية عندما يتم التركيز على الجانب الفكري ستعزز في الطالب والطالبة المناعة الفكرية التي تجعله عصياً على أي محاولة اختراق فكري تستهدف وطنه، وقيمه، وولاءه، وانتماءه، وبالإضافة إلى نطاق المناهج التعليمية ودورها في خلق هذه المناعة الفكرية، هناك العديد من النطاقات الأخرى المهمة في التعليم وعلى رأسها "المعلم" وهو الموضوع الذي سنتناوله في مقال آخر.