رئيس هيئة الأركان العامة يتفقد منظومة الدفاع الجوي «ثاد»    "معهد الابتكار بجامعة أم القرى يستقبل طلاب "موهبة من مدارس الفلاح" في جولة علمية تعريفية"    بيولي يتولى تدريب نادي فيورنتينا الإيطالي    ضبط شخصين في الرياض لترويجهما أقراصًا خاضعة لتنظيم التداول الطبي    "ختام ملتقى خريجي البلقان في تيرانا بتأكيد الشراكة التعليمية والثقافية مع الجامعات السعودية"    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبدالرحمن بن صالح الشثري    المملكة توزع (689) سلة غذائية في محلية الحصاحيصا بولاية الجزيرة بالسودان    فريق Redline البريطاني يحرز أولى بطولات مونديال الرياضات الإلكترونية    تدريب طلاب موهبة على DNA في المختبرات بتجارب واقعية    ضبط 10 مكاتب مخالفة في قطاع السفر والسياحة بالرياض    موسم جدة 2025 يطلق فعاليات الصيف    مدرب القادسية يتحدث عن طموحاته    الاتفاق يستهل تدريباته بقياسات بدنية    إعلان نتائج التخصصات ذات الشروط الخاصة عبر منصة قبول    جامعة جازان تنمّي قدرات الطلبة الموهوبين في الذكاء الاصطناعي ضمن برنامج إثرائي وطني    ضبط (21058) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    الأرصاد: عوالق ترابية في جازان والرؤية الأفقية تتدنى إلى 1 كم    اكتشاف أربعة أنواع فرعية من التوحد مرتبطة بمتغيرات جينية وسمات متقاربة    توقيع مذكرة تفاهم بين شركة نوفو نورديسك وجمعية القلب السعودية لتحسين صحة القلب والأوعية الدموية في المملكة العربية السعودية    تايلاند تسجّل 40 إصابة بجدري القرود    المركزي الروسي يخفض أسعار صرف الدولار واليورو ويرفع اليوان أمام الروبل    استشهاد 16 فلسطينيًا في قصف الاحتلال الإسرائيلي شققًا وخيامًا للنازحين في قطاع غزة    البديوي يبحث مع مفوضة الاتحاد الأوروبي لشؤون البحر المتوسط العلاقات الخليجية الأوروبية    "سدايا" تتسلّم شهادات عن مشاريعها المتميزة في الابتكار من القمة العالمية لمجتمع المعلومات بجنيف    دعوة مليون مواطن ومواطنة للتسجيل في برنامج متخصص لتعليم الذكاء الاصطناعي    وزيرا خارجية أستراليا والصين يبحثان العلاقات الثنائية    "الشؤون الإسلامية" تُكمل فرش جامع الملك فهد في سراييفو    مشاري بن جلاله عريساً    كريستال بالاس ينافس في دوري المؤتمر وليون بالدوري الأوروبي    أخضر السلة يكسب نظيره العماني في البطولة الخليجية تحت 16 عامًا    باريديس يعود إلى فريق بداياته بوكا جونيورز    السعودية تتخذ خطوات تعزز أمن الطاقة العالمي وتدعم استقرار الأسواق    خطيب المسجد النبوي: الإخلاص لله واتباع سنة نبيه أصلان لا يصح الإيمان إلا بهما    خطيب المسجد الحرام: التوبة والرحمة بالمذنبين من كمال الإيمان والغلو في الإنكار مزلق خطير    ثيو هيرنانديز: سعيد باللعب لأكبر نادي في السعودية    نسك من الحجوزات إلى الخدمات والخصومات للحجاج والمعتمرين    من قلب أفريقيا إلى السعودية: الغبار الأفريقي ينتقل عبر البحر الأحمر    48 ألف عينة بيولوجية في مختبرات وقاية    خمسة كتب توصي سوسن الأبطح بقراءتها    السينما وعي    مازن حيدر: المُواطَنة تبدأ بالتعرّف على التاريخ    فرع هيئة الصحفيين السعوديين بالأحساء ينظم ورشة عمل نوعية بعنوان: "القيادة الإعلامية"    نيابة عن خادم الحرمين الشريفين.. نائب أمير منطقة مكة يتشرف بغسل الكعبة المشرفة    الأمير محمد بن عبدالعزيز يطّلع على جهود لجنة مراقبة عقارات الدولة وإزالة التعديات بالمنطقة    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الأميرة بزه بنت سعود    جمعية الذوق العام تدرب مندوبي التوصيل على مستوى المملكة    إلغاء إلزامية خلع الحذاء عند نقاط التفتيش في جميع مطارات أميركا    محرك طائرة يبتلع رجلاً أثناء الإقلاع    استهدف مواقع تابعة ل"حزب الله".. الجيش الإسرائيلي ينفذ عمليات برية جنوب لبنان    أمر ملكي: تعيين الفياض مستشاراً بالديوان الملكي    أكبر مصنع لأغشية التناضح العكسي    أمر ملكي: تعيين ماجد الفياض مستشارًا بالديوان الملكي بالمرتبة الممتازة    إحباط تهريب 310 كجم مخدرات    "ورث" يجدد الفنون بلغة الألعاب الإلكترونية    بين الدولة السورية و«قسد» برعاية أمريكية.. اجتماع دمشق الثلاثي يرسم ملامح تفاهم جديد    دراسة: بكتيريا شائعة تسبب سرطان المعدة    أمير تبوك يستقبل رئيس المجلس التأسيسي للقطاع الشمالي الصحي والرئيس التنفيذي لتجمع تبوك الصحي    التطبير" سياسة إعادة إنتاج الهوية الطائفية وإهدار كرامة الانسان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



1727م.. عام غيّر تاريخ الجزيرة
نشر في الرياض يوم 21 - 02 - 2023

لا يُغني كتاب في تاريخ الجزيرة العربية عن أي كتاب آخر سواه، فلا بُد أن تكون في كل كتاب إما إضافة جديدة، وإما تناول بأسلوب مختلف، أو اختصار لما سبق، أو إعادة ترتيب، أو مزيد من التفصيل، وهذا يقال في معظم الكتب التاريخية القيّمة، ولا سيما إذا كان الكتاب يتحدث عن بدايات تأسيس الدولة السعودية الأولى، في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ العرب والمسلمين، التي شهدت نهضة سعودية مفاجئة، في بيئة قاسية الظروف والأحوال.
والكتاب الذي أشيرُ إليه في هذا المقام يحمل عنوان "الإمام محمد بن سعود وجهوده في تأسيس الدولة السعودية الأولى"، للدكتور عبدالرحمن بن علي العريني، وقد حظي هذا الكتاب بشرف تقديم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز له بعبارات قيّمة جليلة، جاء فيها: "هذا الكتاب يُعنى بجانب من جوانب تاريخ هذه البلاد في عهد مؤسسها الأول الإمام محمد بن سعود رحمه الله، ويبرز من خلاله المبادئ السامية التي قامت عليها هذه الدولة، والمنهج القويم الذي سارت عليه، وحرص مؤسسها –رحمه الله– على الدعوة إليه والدفاع عنه والاستمرار في تطبيقه".
ولا شك أن الإمام محمد بن سعود، كما يوضح العريني، يعد مؤسس الدولة السعودية الأولى، وهو الذي أبرز كيانها التوحيدي بين الإمارات النجدية المتناحرة، إذ تكوّنت نواة هذه الدولة في عهده وبجهوده المباشِرة.
وقد انقضت فترة حكم الإمام محمد بن سعود في كفاح مستمر لضم ما يمكن ضمه من البلدان النجدية إلى رحاب هذه الدولة المؤسسة على الإيمان والأمان، وكان هدفه وغايته أن يخلّص هذه البلاد مما ران على نفوس أهلها، من تفكّكٍ سياسي، وشعور سلبي تجاه الوحدة الإقليمية.
وقد واجه الإمام محمد بن سعود عقبات عدة في سبيل غايته النبيلة، ولكنه استطاع أن يتغلب على تلك العقبات، أو يذلّلها بحكمته وحنكته وبُعد نظَرِه، وبحبّه للخير، وإيمانه العميق.
ومن هذا المُنطلق –والحديث لا يزال للعريني، بل سائره كذلك– فإن كثيراً من الإنجازات السياسية والحضارية التي برزت في عهد الإمامين عبدالعزيز بن محمد بن سعود، وسعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود، كانت قد جرى تأسيسها في عهد الإمام محمد بن سعود، إذ إن كثيراً من هذه الإنجازات ما كانت لتتمّ لولا أنها كانت تستند إلى أحداث تمّت في عهد هذا الإمام؛ فاكتمال توحيد بعض المناطق الذي أُنجِز فيما بعد إنما يرتكز إلى أحداث مهَّدت لذلك في فترة حكم الإمام محمد بن سعود.
لقد اختار محمد بن سعود -رحمه الله- رجاله الذين أراد أن يعملوا معه في توحيد هذه البلاد، تحت ظلال وارفة بالإيمان الصحيح، والاستقرار السياسي والأمني، والرخاء الاقتصادي، والمحافظة على مقوّمات الهوية الأصيلة والقيَم النبيلة، وهي الأهداف التي نراها حتى هذه اللحظة، وفي ظل رؤية 2030، وهي التي تقف وراء جميع اتجاهات القرارات السعودية وقراراتها، وفلسفتها في الحُكم والإدارة.
لقد امتد حكم الأمير محمد بن سعود مدة 40 سنة، تقريباً، منذ سنة 1139ه الموافقة لعام 1727م، إلى وفاته -رحمه الله- في سنة 1179ه الموافقة لعام 1765م، واتّسمت هذه المدة الطويلة بعدد من السمات والمزايا، ففي البداية كان الإمام محمد يسعى إلى توسيع نفوذه إلى بعض البلدان الصغيرة قريباً من الدرعية، وتوطيد الولاء بين القبائل الموالية له، وبعدما يسّر له الله سبحانه وتعالى ذلك، أخذ نفوذه يتّسع تدريجياً، وتبعاً لذلك كثُرت الأحداث التاريخية، وتوافرت الكتابات عنها أيضاً، بسبب أن الدولة السعودية الأولى كانت تعيش نهضة جديدة في كل شيء، بما في ذلك التدوين، وبهذا يتّضح أنّ توافر الكتابات التاريخية عن مرحلة ضم البلدان إلى الدولة السعودية الأولى إنما هو نتاج لحركة الدولة نفسها وتقدّمها واتساعها.
وقد ظل محمد بن سعود مثابراً على توسيع رقعة دولته ومناطق نفوذ إدارتها، وعندما تقدّم به العمر يسيراً استعان بابنه عبدالعزيز في تنظيم أمور الدولة وسير التوجيهات فيها، ويتضح من خلال السياق التاريخي أن الإمام محمد كان يسعى من البداية إلى تأهيل ابنه للقيادة، وأشركَه معه في مهمات الحكم، وذلك ما أكسبه خبرة وتأهيلاً عاليي المستوى قلّ أن يوجد نظير لهما في ذلك العصر، ولذلك كان من السهل على الإمام عبدالعزيز بن محمد أن يتولى الأمور بعد والده، لأنه كان قد جرّب ذلك ومارَسه في حياته.
ومما يجدر التنبيه إليه، أن محمد بن سعود -رحمه الله- كان بالغ التديّن منذ صغره، عامر القلب بالإيمان والتوحيد، وقد كان الإمام محمد بن سعود، منذ صباه، معروفاً بفعل الخير، شغوفاً بالعبادة والصدقة وقيام الليل، وكان يحبّ الخلوة، وينقطع فيها للصلاة والذكر، وكان نقيّ الإيمان صافي العقيدة، ولأجل ذلك رأى، انطلاقاً من حبه للخير ونصرته للحق، أن يسعى إلى تنقية الحياة اليومية في البلاد التي ينشد توحيدها من الخرافات وتقديس الأموات والاعتقاد في الأولياء وشيوخ الدجَل، لأنه كان يدرك بعميق حكمته وحنكته، أن الجزيرة العربية لا يمكن توحيدها ولا نشر الأمن والاستقرار فيها إلا بعد تخليصها من الخرافة والتخلّف والتعلّق بالأضرحة والأشجار والقبور.
وتضاف إلى الصفات التي كان يتّسم بها الإمام محمد بن سعود -رحمه الله-، بل كانت على رأسها صفة الإقدام والشجاعة، وقد كان هو من يقود الجيوش في المراحل الأولى لتوحيد البلدان في نجد، وذلك مما سهّل عليه تأهيل ابنه عبدالعزيز لقيادتها، وقد ظل الحكّام من الأئمة والملوك طوال الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة يحرصون على التمسّك بهذه الصفات، وتربية أبنائهم وتهيئتهم لصد العدوان وممارسة المهمات العامّة، إلى غير ذلك من الصفات الحميدة التي كان الإمام يتحلّى بها، والتي كان من أهمها كذلك حبه الشديد لمساعدة المحتاجين ورفع الظّلم عن العامة، وتفقّد الأمور العامة لرعيّتهم، واسترداد حقوقهم، ولم يكن ذلك إلا نابعاً من دافعين أساسيّين، هما: دافع الدين والإيمان والمروءة والشهامة، والدافع الآخر هو الدافع الإستراتيجي الرامي إلى توحيد الجزيرة وضمها تحت لوائه، وقد كان يعلم علم اليقين أن ذلك لا يتمّ إلا بإدارة الأمور العامة والإشراف عليها على النحو الذي يعود بالمصلحة على الشعب بأكمله.
لقد كان الإمام محمد بن سعود مهتماً بالأمور الداخلية لإمارته، حريصاً على تفقّدها، وهذا ما جعل حكمه يزداد قوّةً إلى قوّته، وجعل مكانة إمارته تعلو وترتفع فوق جميع إمارات العارض، وظل نفوذها يتسع شيئاً فشيئاً، كما كان الإمام -رحمه الله- يسعى إلى رأب الصدع بقدر الاستطاعة بينه وبين جيرانه، وهدفه في ذلك تحقيق الاستقرار والسلم، وفي الوقت نفسه حُسن الجوار مع جيرانه في الإمارات المجاورة له، ولكنه كان حازماً في الوقت نفسه مع كل من تُسوّل له نفسه أن يغزو جيرانه أو يمارس العدوان على الشعب، كما كان يناصر جيرانه المظلومين على من يعتدي عليهم، سواء أكان من محيطهم أم من خارجه، فجمَعت إدارته بطريقة عبقرية بين السِلم والحزم، وبين توسيع النفوذ بالقوة الناعمة وبالقوّة الرادعة.
لقد أدّت سياسة الإمام محمد الحكيمة الخلوقة المؤمنة المسالمة والحازمة إلى تنامي قوة الدرعية، وبروز مظاهر الحكم المؤمن العادل الرحيم، الذي يتعاهد الشعب وحاجاتهم، وينشر الأمن والاستقرار والسلم في الجزيرة، وسلب أسباب التوتر والغزو الجائر، وأدى ذلك إلى ازدهار المظاهر الحضارية في الدولة السعودية الأولى، ولا يُقصد بها هنا المظاهر المدنيّة فحسب، بل يُقصد المظاهر الحضارية من ازدهار الحياة الثقافية والإيمانية الخالية من الخرافات والأساطير، وانتشار القضاء الإسلامي العادل، الذي تؤخذ في ظله الحقوق من القويّ وتردّ إلى الضعيف، وانتشرت ظاهرة التحاكم إلى القضاة لا إلى الغزوات والثارات، وهذا الأمر بحد ذاته يُعدّ تقدّماً فريداً من نوعه في ذلك الزمان الذي كانت تغرق فيه صحراء الجزيرة في ظلمات الجهل.
والحقيقة هي أن الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- جمَع بين أساليب مختلفة من أساليب الحكم في جزيرة العرب، وحرص على ترسيخ جميع أسباب استقرار الحكم واتساعه، من أسباب إيمانية، وأسباب اقتصادية، وأسباب سياسية، مع الحفاظ على الأخلاق الكريمة والمروءات والقيَم السامية، ولو ذلك التميّز والتفرّد الذي تمتع به الإمام دون سواه، في جزيرة العرب، في تلك الآونة، لما شهد التاريخ على قيام الدولة السعودية الأولى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.