لم تكن زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الثلاثاء لباخموت حدثاً كبيراً بالنسبة للمدنيين الذين يحاولون البقاء على قيد الحياة في هذا الجحيم، لكنها رفعت معنويات الجنود المشاركين في أعنف المعارك على خط التماس. لم يعلم غالبية الأشخاص الذين التقتهم وكالة الأنباء الفرنسية في شوارع باخموت المدمرة بزيارة الرئيس لمدينتهم، ولا برحلته إلى واشنطن، حيث يجري منذ الأربعاء أول زيارة للخارج منذ بدء الغزو الروسي. كيف سيعرفون؟ فالباقون على قيد الحياة كانوا معزولين في ملاجئ، غالبًا بدون هواتف، بدون أن يروا أو يسمعوا بأي نبأ، في هذه المدينة المدمرة التي تتعرض للقصف العنيف. وامام أحد مراكز الاغاثة الانسانية، قال عامل البناء ديما ساشينكو (45 عامًا) "لم أكن أعرف.. خرجت للتو من أجل شحن هاتفي.. من الجيد أنه جاء لمنح ميداليات لجنودنا، إنهم الأبطال الحقيقيون". في الطابق الأرضي من مبنى معرض للقصف، مثل جميع المباني في باخموت، جاء نحو خمسين شخصًا لشحن أجهزتهم الإلكترونية واحتساء الشاي الساخن ومشاهدة التلفزيون ومواساة بعضهم البعض. وقال دينيس "زيارة زيلينسكي؟ إنها لا تغير حياتنا، ولا تجعل الأمور أسهل" قبل أن يقاطعه رجل لطلب المساعدة في سحب جثة بقيت لأربعة أيام في الشارع. هكذا تجري الحياة اليومية في باخموت. في متجر سابق للمواد الغذائية بالقرب من الساحة المركزية بالمدينة، صرخت إمرأة علقت مصباحاً على جبهتها "آه نعم، جاء زيلينسكي؟ ولماذا لم يأت إلى هنا؟ بالتأكيد ذهب إلى مكان آمن وعميق تحت الأرض، حيث لا يمكن لأحد الوصول إليه". في شرق أوكرانيا الذي يغلب عليه الطابع السوفياتي وغالبًا ما شعر بإهمال كييف، لا يتمتع الرئيس زيلينسكي بالشعبية. وخطاب موسكو يلقى صداه. واعتبر بافلو أن "زيارة زيلينسكي بمثابة دعاية"، مشيراً إلى أنه "من الأفضل لو بدأ التفاوض لوقف الحرب" قبل أن يؤكد أن روسيا لا تقاتل أوكرانيا بل حلف شمال الاطلسي. خلال زيارته المفاجئة الثلاثاء، زار الرئيس الجنود وقدم اليهم الأوسمة. هذه المدينة التي اشتهرت سابقاً بزراعة الكروم ومناجم الملح، والتي كان يبلغ عدد سكانها حوالى 70 ألف نسمة قبل العملية العسكرية الخاصة، تشهد أعنف المعارك على الجبهة الشرقيةلأوكرانيا، اذ يحاول الروس منذ الصيف الاستيلاء عليها. في الأشهر الأخيرة، سجل كلا الجانبين خسائر فادحة فيها جراء حرب خنادق شاقة وتبادل للقصف المدفعي ومواجهات أمامية. في هذا السياق المتوتر للغاية، أعرب جميع الجنود الذين قابلتهم وكالة فرانس برس في باخموت ومحيطها عن إعجابهم بزيارة رئيسهم، مشيدين ب "شجاعته". وقال ياروسلاف قائد فريق الإخلاء الطبي العسكري "زيلينسكي زعيم حقيقي. لم يهرب في فبراير وهو يقودنا إلى النصر". واضاف هذا العسكري الذي ينتظر نقل جثة ملفوفة في قطعة من القماش البلاستيكي الأسود عند قدميه "لم أصوت له (في 2019)، لم أكن الأحترام له، لكنه أصبح رجلاً آخر، رجلا عظيما. وزيارته أعطت دفعا كبيرا لمعنويات المقاتلين في باخموت. باخموت هي الجحيم على الأرض". ورأى أولكسندر (27 عامًا) "أنه الرئيس الوحيد في العالم الذي يأتي إلى مكان كهذا. لم يختبئ، كان من الممكن أن يتعرض للقصف مثلنا جميعًا، وقد تحدث مع عسكريين في القاعدة". وقال زميله رومان ساخراً "بوتين لا يفعل ذلك". لم يلتق الرجلان الرئيس الأوكراني الثلاثاء لكنهما أكدا أن زيارته تشكل "دعماً معنوياً حقيقياً" لجميع المقاتلين الأوكرانيين.