ولي العهد والرئيس الكوري يشهدان التوقيع على عدد من مذكرات التفاهم.. اليوم يطلق سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان دبلوماسية الاتجاه نحو الشرق في مستهل جولته لعدد من الدول الآسيوية، بدأت بزيارة كوريا الجنوبية اليوم الخميس، وقد أجرى سموه مباحثات مطولة مع رئيس وزراء جمهورية كوريا السيد هان دوك سو تهدف لتنمية الشراكات السياسية والاقتصادية، والاستثمارات، في سياق توجه السعودية لتنويع شراكاتها الإستراتيجية. وتأتي زيارة سمو ولي العهد إلى كوريا الجنوبية بعد مشاركة فعالة ومثمرة لسموه في قمة العشرين التي عقدت في بالي، وأكدت مصادر دبلوماسية عربية رفيعة في سيئول تحدثت ل»الرياض» أن تحرك الدبلوماسية السعودية والتوجه نحو الشرق الآسيوي الأقصى التي يقودها سمو ولي العهد، تحظى باهتمام كبير في الأوساط العربية والآسيوية في ظل التجاذبات الدولية، ويجري سمو ولي العهد خلال الزيارة محادثات مع القيادة الكورية الجنوبية وعدد من كبار رجال الأعمال والرؤساء التنفيذيين لكبريات الشركات الكورية الجنوبية، تتعلق بتعزيز الشراكة الجيو-اقتصادية وتعضيد التحالفات الاستثمارية بين البلدين في المجالات السياسية، والتجارية، وتعتبر كوريا المحطة الثانية في جولة سمو ولي العهد الآسيوية التي بدأت بإندونيسيا، وتشمل تايلاند واليابان. وأكدت مصادر رفيعة كوريا جنوبية ل»الرياض» أن زيارة سمو ولي العهد لسيئول في إطار جولته الآسيوية تكسب أهمية بالغة، وتعكس توجها سعوديا بما يُسمى بدبلوماسية الشرق وتنويع العلاقات مع الشركاء في العالم، وتابع قائلا: «إن زيارة الأمير محمد بن سلمان ستفتح آفاق الشراكة الإستراتيجية بين البلدين في جميع الميادين»، وستجلب استثمارات سعودية وكورية بالمليارات خصوصا في المشاريع السعودية الكبرى مثل نيوم وذا لاين.. وسيقيم الرئيس الكوري الجنوبي حفلة عشاء تكريما لسمو ولي العهد والوفد المرافق، فيما تعقد جلسة المباحثات الرسمية ظهر اليوم الخميس. وتتسم العلاقات الدبلوماسية بين المملكة وجمهورية كوريا الجنوبية بالتطور الإيجابي المتسارع، وذلك مواكبةً للتنسيق السياسي والاقتصادي المستمر بين قيادتي البلدين الصديقين تُجاه مختلف القضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك، فضلاً عن اتصافها بالثبات والاستقرار والنمو الجيد المستمر. وترغب كوريا الجنوبية في تعزيز شراكتها مع السعودية في مجال تكرير النفط والبتروكيماويات والمشروعات الاقتصادية الكبرى المتعلقة بالبنية التحتية، وتسريع وتيرة الشراكات الاقتصادية وتلبية المملكة لاحتياجات سيئول المتزايدة من الطاقة، كونها تُعد من بين أسرع الاقتصادات النامية في العالم. وتأتي زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى كوريا الجنوبية ضمن إطار تعزيز العلاقات على كافة المستويات بين الرياض وسيئول. وسيلعب صندوق الاستثمارات العامة دورا رئيسيا لتعزيز الاستثمارات مع كوريا الجنوبية في قطاع الطاقة والمدن الكبرى الذكية، وإطلاق قطاعات جديدة ومستدامة في المملكة، ومنها قطاعات الطاقة المتجددة وإدارة النفايات. وشاركت كوريا في مهرجان «الجنادرية» كضيف شرف عام 2012 في الرياض وجاءت المشاركة بمناسبة مرور نصف قرن على العلاقة الثنائية بين البلدين، وقام الأمير محمد بن سلمان بزيارة إلى كوريا في العام 2019، وأبرمت المملكة وكوريا خلال مسيرة علاقاتهما المتميزة عددا من الاتفاقيات الاقتصادية والاستثمارية المشتركة بين الشركات السعودية والكورية، إضافة إلى تبادل الخبرات في المجالات الثقافية، والرياضية، وتنظيم زيارات الوفود الشبابية بين البلدين. وعزّزت القمة السعودية - الكورية التي عقدت في الرياض عام 2015، مسيرة العلاقات بين البلدين الصديقين التي تركزت في بدايتها على المجالات الاقتصادية الخاصة بقطاعي النفط والإنشاءات، ثم تطورت عبر السنين لتشمل مجالات الثقافة، والأغذية، والصحة، والتجارة، والصناعة، والطاقة المتجددة والذريّة، وأسهمت في تحقيق مزيد من التقدم والتطور. وأطلق البلدان (الرؤية السعودية - الكورية 2030)، في أكتوبر عام 2017 حيث تم تشكيل لجنة مشتركة من ممثلي الجهات والهيئات الحكومية ذات العلاقة من البلدين؛ لمراجعة التقدم في هذه الشراكة، واعتماد مشروعات الرؤية وخططها التنفيذية، وتذليل الصعوبات في تنفيذها، وبذلك تعد جمهورية كوريا واحدة من ثماني دول تتعاون مع المملكة لتحقيق رؤية 2030. وتوافق البلدان من خلال لجنة (الرؤية السعودية - الكورية 2030) على 40 مشروعاً ومبادرة مبدئية لتأسيس الشراكة بينهما، وتتوزع هذه المشروعات على خمس مجموعات فرعية لحوكمة اللجنة؛ وذلك بغرض متابعتها ودعمها للوصول إلى أهدافها المرجوة، وهذه المجموعات هي: مجموعة الطاقة والتصنيع، ومجموعة البنية التحتية الذكية والتحول الرقمي، ومجموعة بناء القدرات، ومجموعة الرعاية الصحية وعلوم الحياة، وأخيراً مجموعة المنشآت الصغيرة والمتوسطة والاستثمار. وتعد المملكة المصدر الرئيس لواردات البترول في جمهورية كوريا، حيث ارتفعت واردات كوريا من الخام السعودي بنسبة 2.1 % على أساس سنوي (نوفمبر 2020) إلى 24.41 مليون برميل، مقارنة بكمية الواردات المسجلة في الشهر نفسه من العام 2019 وتعد شركة أرامكو السعودية من أكبر الشركات السعودية المستثمرة في السوق الكورية، إذْ تستثمر في أكبر شركة نفطية كورية (S-Oil)، بامتلاكها نحو 60 % من القيمة السوقية للشركة. وتعد المملكة من أوائل الشركاء التجاريين لجمهورية كوريا في منطقة الشرق الأوسط، فبناءً على البيانات الأولية الصادرة من الهيئة العامة للإحصاء حتى شهر أكتوبر من العام 2021م؛ فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين المملكة وكوريا أكثر من 242 مليار ريال سعودي (64 مليار دولار أمريكي) خلال الثلاث سنوات الماضية. وبلغت قيمة صادرات المملكة إلى كوريا 69 مليار ريال سعودي (18 مليار دولار أمريكي) مقارنة مع 54 مليار ريال سعودي (15 مليار دولار أمريكي) في العام 2020م، فيما بلغت واردات كوريا إلى المملكة 10 مليارات ريال سعودي (3 مليارات دولار أمريكي). وبلغ حجم التبادل التجاري غير النفطي (إجمالي الصادرات والواردات غير النفطية) بين البلدين، نحو 14 مليار ريال سعودي (4 مليارات دولار أمريكي). ونما حجم التبادل التجاري بين البلدين بنسبة 14 % ليبلغ 79 مليار ريال سعودي (21 مليار دولار أمريكي)، وشكّلت صادرات المملكة غير النفطية لكوريا (من إجمالي الصادرات لكوريا) نسبة 5 % خلال العام الماضي 2021م، فيما بلغت قيمة الميزان التجاري 15.5 مليار دولار لصالح المملكة. ولدى المملكة وجمهورية كوريا خطط متماثلة لمكافحة تغيُّر المناخ والاحتباس الحراري، إذْ أعلنت سيئول عن خطتها لتحقيق الحياد الكربوني وخفض الانبعاثات الكربونية إلى مستوى الصفر في غضون العام 2050م، ويتوافق ذلك مع مبادرتي السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر، وإعلان المملكة عزمها تحقيق الحياد الكربوني بحلول العام 2060م. ويستكشف الجانبان السعودي والكوري الفرص المستقبلية للمشروعات المشتركة في قطاع البتروكيماويات، بما في ذلك تحويل البترول الخام إلى بتروكيماويات، وكذلك الابتكار وتطوير المواد والوقود، خاصةً في مجال المواد المتقدمة، مثل: البوليمرات، والوقود منخفض الانبعاثات للسفن والطائرات، إلى جانب التعاون مع الشركات الرائدة لتقديم حلول اقتصادية وملائمة بيئياً، لتطوير واستخدام البلاستيك المعاد تدويره. كما يناقش الجانبان السعودي والكوري التعاون المشترك بينهما في قطاع الطاقة، خاصة فيما يتعلق بالاستخدامات السلمية المتعلقة بالطاقة النووية، وتبادل الخبرات في مجال التطبيقات والرقابة النووية، وتطوير الكفاءات البشرية، وذلك بما ينسجم مع (الرؤية السعودية - الكورية 2030). التوجه نحو الشرق في زيارات سمو ولي العهد في هذا التوقيت يعطي انطباعاً متوازناً من أن المصالح السعودية لا ترتبط اليوم بحدود جغرافية، أو مواقف متجددة، أو التزامات مع أي طرف في حساباته، وإنما مصالح عليا لمرحلة جديدة تنظر فيها المملكة إلى مستقبلها، وتحقيق رؤيتها، وبناء إنسانها، وتنمية مناطقها، مع النظرة إلى تاريخ علاقاتها الطويل مع الشرق واستثمار الفرص المتاحة لتعزيزها وتنميتها على أساس اقتصادي يقود الدول والشعوب معاً في مهمة نهوض لمرحلة جديدة عنوانها الأبرز «مصالح السعودية أولاً».