لم يعد خفيا أن تعظيم القوى الصناعية هو تعضيد للقوة الاقتصادية ليس في المحيط الإقليمي فحسب؛ بل على مستوى العالم، وهذه هي في الواقع أحد منطلقات الاستراتيجية الوطنية للصناعة التي أطلقها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أمس الأول الهادفة للوصول إلى اقتصاد صناعي جاذب للاستثمار يسهم في تحقيق التنوع الاقتصادي، وتنمية الناتج المحلي والصادرات غير النفطية، بما يتماشى مع مستهدفات رؤية السعودية 2030. المملكة والتأهيل الصناعي العالمي والمملكة تعد من الدول المؤهلة لأن تكون قوّة صناعية رئيسة صاعدة عالمية، لقوة بنيتها التحتية الصناعية، ولموقعها الاستراتيجي بين آسيا والشرق الأوسط، فضلا عن تأثيرها الجيو-الاقتصادي الاستراتيجي، كونها عضو في قمة العشرين التي يعد أعضاؤها من أكبر اقتصادات العالم بامتياز. ثلاثة محاور للمنظومة الصناعية وارتكزت المنظومة الصناعية في المملكة وفق الرؤية 2030 على ثلاثة أهداف رئيسة، هي، بناء اقتصادي صناعي وطني مرن وجاذب للاستثمار، وتكوين مركز إقليمي صناعي متكامل لتلبية الطلب العالمي، وتحقيق ريادة في صناعة وتصدير منتجات عالية التقنية تسهم في تأمين سلاسل الإمداد العالمية، وتسعى المملكة من خلال الإصلاحات الاقتصادية، إلى معالجة التحديات التي تواجه المستثمرين الصناعيين وتحسين البيئة الاستثمارية في القطاع الصناعي بالبلاد. حزمة من المبادرات التمكينية ويؤكد الخبراء السعوديون أن المملكة تستهدف من التحول إلى دولة صناعية رائدة، من خلال حزمة من المبادرات التمكينية لتطوير القدرات الصناعية في عدد من القطاعات ذات الطلب العالي، كالصناعات الغذائية والدوائية، وصناعة السيارات، ومواد البناء، وغيرها، وذلك لضمان تلبية احتياجات المواطن. زيادة الوظائف الواعدة كما أنها تستهدف أيضا زيادة الوظائف ذات المستقبل الواعد في القطاع الصناعي للمواطنين، ومضاعفة عددها مقارنة بالوضع الراهن لعام 2022م بأكثر من الضعف بحلول عام 2030، إضافة إلى تقديم برامج تطوير المهارات وإعادة التأهيل لتمكين المواطنين من العمل في القطاع. وأوضح المراقبون أن المملكة تحظى بوجود شركات صناعية وطنية رائدة، أسهمت في وضع الصناعة السعودية في مصافّ الصناعات الرائدة إقليميًا وعالميًا، وتعد المملكة اليوم رابع أكبر مصنّع للمنتجات البتروكيميائية على مستوى العالم. المبادرات التحفيزية وتهدف الاستراتيجية الوطنية للصناعة على تمكين القطاع الخاص من خلال حزمة من المبادرات التحفيزية، كتعزيز الاتفاقيات التجارية لتيسير رحلة الوصول إلى الأسواق العالمية، والوصول إلى التمويل، والترويج للمنتجات المحلية، والتي ستمكن من رفع قيمة صادرات الصناعة السعودية من 254 مليار في عام 2022 لتصل إلى 557 مليار ريال في عام 2030 إلى جانب زيادة قيمة صادرات الصناعة السعودية في عام 2022 إلى أكثر من الضعف بحلول عام 2030، عبر تعزيز الاتفاقيات التجارية، ومواءمة معايير الإنتاج المحلي مع المعايير الدولية، والاستفادة من المبادرات الترويجية، لتمكين المنتج السعودي من النفاذ إلى الأسواق العالمية. تطوير نموذج حوكمة جديدة وبحسب الخبراء المعنيين بهذه الاستراتيجية فإن تطوير نموذج حوكمة جديدة للقطاع، من خلال تشكيل اللجنة العليا للصناعة، برئاسة سمو ولي العهد -والمجلس الصناعي بمشاركة القطاع الخاص، لضمان إشراك المستثمرين الصناعيين في صنع القرار وتطوير السياسات والذي يهدف إلى إشراك المستثمرين الصناعيين في عملية صناعة القرار وتطوير السياسات والأنظمة، من خلال تشكيل اللجان التنظيمية المساهمة في تطوير القطاع، كاللجنة العليا للصناعة والمجلس الصناعي بمشاركة القطاع الخاص، ووضعت الاستراتيجية مبادرات خاصة لتحفيز الصادرات للسلع الصناعية المستهدفة من خلال حوافز خاصة للتصدير، حيث شملت المبادرات منتجات وحلول تمويلية ميسرة بحوافز حكومية لتغطية تكلفة التمويل للمستثمرين والمصنعين المحليين في السلع الصناعية المستهدفة. مزايا تنافسية عديدة ولم تغفل الاستراتيجية الوطنية للصناعة المستثمر الأجنبي، كون المملكة تتميز بمزايا تنافسية عديدة تجعل منها وجهة استثمارية رائدة في القطاع الصناعي على مستوى العالم، كالموقع الجغرافي المميز، ووفرة الموارد الطبيعية ومصادر الطاقة، والقدرات البشرية، والقوة الشرائية، والسياسات النقدية المستقرة. 136 مبادرة للتمكين كما حددت الاستراتيجية الوطنية للصناعة أكثر من 136 مبادرة لتمكين نمو القطاع الصناعي في المملكة، تشمل: دعم الأبحاث الصناعية التطبيقية والابتكارات، وتبنّي تقنيات الصناعات المتقدمة، وزيادة الصادرات، واستقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر، وتسهيل الوصول للتمويل الصناعي. من الجدير بالذكر المملكة من خلال الاستراتيجية الوطنية للصناعة، ميزانية تصل إلى 68 مليار ريال سعودي لتطوير القطاع، منها 51 مليار ريال سعودي لتطوير البنية التحتية الصناعية اللوجستية والرقمية، تجعل المملكة مركزاً إقليمياً للتصنيع بمزايا تنافسية محفزة على الاستثمار. 800 فرصة استثمارية وتقدم الاستراتيجية الوطنية للصناعة أكثر من 800 فرصة استثمارية للمستثمر المحلي والأجنبي بقيمة تريليون ريال سعودي، وذلك في عدد من المجالات الصناعية المستهدفة ضمن الاستراتيجية، مثل: الصناعات الدوائية، وتطبيقات الكيميائيات المتخصصة، وصناعة السيارات، وغيرها، ووضعت الاستراتيجية مبادرات خاصة لتحسين اللوائح الخاصة بالمستثمرين الدوليين، لتسهيل الاستثمار الأجنبي المباشر، ورفع ثقة المستثمرين مثل (التحكيم الدولي وحماية الملكية الفكرية). اهتمام بالشركات الصغيرة والمتوسطة وفيما يتعلق بالشركات الصغيرة والمتوسطة فإن الاستراتيجية الوطنية للصناعة ستطلق 136 مبادرة لتمكين القطاع الصناعي، تشمل حوافز لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمحتوى المحلي، وتسهيل الوصول إلى التمويل الصناعي، ودعم الأبحاث الصناعية التطبيقية والابتكارات وتقديم حوافز مالية للمستثمرين في الصناعات المتقدمة. وتدعم الاستراتيجية الوطنية للصناعة الإنفاق على الابتكار والتطوير، ونقل تكنولوجيا والتقنيات المتطورة، وتقديم المنح والقروض التحفيزية، وإنشاء مراكز ابتكار صناعية جديدة، وتصميم وإطلاق مجمعات صناعية جاذبة، وتوفير المصانع الجاهزة، والتي تسهم في إيجاد بيئة محفزة لنمو الشركات الصناعية الصغيرة والمتوسطة، وسيتم تطوير اللوائح والأنظمة ذات الارتباط بالشركات الصناعية الصغيرة والمتوسطة وجعلها أكثر ملائمة لتحقيق النمو لأعمالها، مثل تحسين لوائح طرح المناقصات الحكومية من خلال التجزئة، والتي تساهم في تحفيز قدراتها والرفع من تنافسيتها. ويستند قطاع الصناعة في المملكة على الشركات الصناعية الصغيرة والمتوسطة بشكل أساس، حيث تشكل أكثر من 90 % من الشركات العاملة في كافة المجالات الصناعية، وقد تم تخصيص حزمة من المبادرات الداعمة والممكنة لها، لضمان استدامة نمو القطاع الصناعي وتحقيق مستهدفاته. تدعم الاستراتيجية الوطنية للصناعة تفعيل استخدام الابتكارات المهمة في صناعة الآلات الصناعية وعملياتها بشكل واسع، كإنترنت الأشياء، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والمستشعرات، والروبوتات، والأتمتة، والصيانة الوقائية وغيرها، مما سيساهم في نمو القطاع الصناعي بشكل أسرع. إيجاد بيئة محفزة أطلقت الاستراتيجية مبادرات خاصة بدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة كمراكز الابتكار لمساعدة هذه الشركات عبر تقديم خدمات البحث والتطوير برسوم لتحفيز الابتكار. شملت المبادرات تحسين لوائح المنافسات الحكومية بهدف تعزيز مشاركة الشركات الصغيرة والمتوسطة ومنحها فرصة للمشاركة في المشاريع الحكومية، كما شملت المبادرات منتجات وحلول تمويلية ميسرة بحوافز حكومية لتغطية تكلفة التمويل للمستثمرين والمصنعين المحليين في السلع الصناعية المستهدفة. المملكة والتموضع الصناعي ويجمع الخبراء في منطقة الخليج أن ثمة تحول جوهري في ميزان القوى الاقتصادية العالمية للمملكة والذي أضحى من اقتصادات الدول الصاعدة، في الشرق الأوسط والعالم وردفت المملكة القوة الاقتصادية؛ باستراتيجية وطنية للصناعة لتصبح المملكة قوة اقتصادية وصناعية بامتياز في ظل ما يحققه اقتصادها من معدلات نمو وطفرات تنموية عالية"، مستشهدين بما أعلنته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في تقريرها السنوي OECD آفاق الاقتصاد العالمي للعام 2022م مؤخرا عن توقعاتها بأن تبلغ نسبة نمو الناتج المحلي لاقتصاد المملكة العربية السعودية إلى 9.9 % هذا العام؛ كأعلى نسبة نمو بين دول مجموعة العشرين G20 التي تشمل (اقتصاد مجموعة العشرين واقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية). وعلى الرغم من التحديات الرئيسة التي يواجهها الاقتصاد العالمي، في ظل استمرار التضخم لفترة أطول من المتوقع وتباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي في عامي 2022 و2023، إلا أن تقديرات تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بالنسبة للمملكة جاءت مُخالفة للنظرة القاتمة والضبابية التي تنطلق من عدة عوامل رئيسة؛ وفي مقدمتها الأزمة الروسية الأوكرانية وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، وتفاقم الضغوط التضخمية وتشديد السياسات النقدية وإجراءات الإغلاق العام نتيجة موجات التفشي الجديدة ل (كوفيد 19). تنمية مصادر الدخل لقد رسمت رؤية المملكة 2030م خارطة طريق لتطوير الصناعة الوطنية وتنويع وتنمية مصادر الدخل، وتعد الصناعة من أهم الروافد الاقتصادية في هذه الرؤية، وفي الواقع إن الصناعة في المملكة لم تكن وليدة اللحظة، بل بُنيت على إرث يمتد لعقود طويلة، بدءاً من المرحلة التي زامنت اكتشاف النفط، والذي يعتبر الركيزة الأساسية التي قامت عليها الصناعة الحديثة في المملكة، حيث بدأت عملية التنمية في القطاع الصناعي أولى خطواتها عقب اكتشاف النفط وتصديره بكميات تجارية، بفضل العوائد النفطية ودورها في إمكانية تحسين الأوضاع الاقتصادية وتوجيهها. الدعم والمساندة والتشجيع وأولت الدولة أهمية كبيرة للتنمية الصناعية، فقدمت كافة أشكال الدعم والمساندة والتشجيع، بإنشاء صندوق التنمية الصناعية السعودي عام 1974م وذلك لتمويل ودعم وتنمية القطاع الصناعي عن طريق تقديم قروض متوسطة أو طويلة الأجل لتأسيس مصانع جديدة، أو تطوير وتحديث وتوسعة مصانع قائمة، إضافة إلى تقديم المشورة في المجالات الإدارية والمالية والفنية والتسويقية للمنشآت الصناعية بالمملكة، ويشير الخبراء عوامل القوة الصناعية تكمن في حجم السكّان مستوى التمدّن المستوى الصناعي استهلاك الطاقة حجم الناتج الصناعي القوّة العسكرية والاقتصادية والنفطية مؤكدين أن هذه العوامل جميعها متوفرة في المملكة. المتغيرات الجيوستراتيجية والاقتصادية وكون المملكة جزءا من العالم تؤثر وتتأثر فإنها ترصد المتغيرات الجيوستراتيجية والاقتصادية العالمية عن كثب خصوصا أن صعودا للصين والهند كلاعبين عالميين رئيسين جديدين المشهد الجيو-سياسي العالمي سيعيد تشكيل التوازنات العالمية والمملكة كعضو في قمة العشرين حريصة أن تكون ضمن القوى العالمية الصاعدة لتكون شريكاً استراتيجيا في تطوير النظام الاقتصادي الدولي مع تدهور القوّة الأميركية، والتحديات العالمية الجديدة التي سيكون على المجتمع الدولي والقوى الصاعدة مواجهتها في المرحلة المقبلة، كما فعلت ألمانيا في القرن التاسع عشر والولايات المتّحدة في القرن العشرين.. وليس هناك رأيان أن المواطن يمثل مُحورًا أساسياً في الاستراتيجية الوطنية للصناعة إلى جانب تمكين المملكة من تحقيق مستهدفاتها برفع قيمة صادرات المملكة من المنتجات التقنية المتقدمة إلى 6 أضعاف، من 2.1 مليار ريال إلى 12.3 مليار ريال بحلول عام 2030، عبر الاستفادة من التخصصات النوعية المستحدثة، وبرامج تنمية المواهب الوطنية.