أكد عدد من أساتذة علم النفس أن الواجب على أفراد المجتمع والمهتمين بالثقافة أن يبرزوا جهود العلماء ويعملوا على إعادتهم إلى مكانهم الطبيعي في توجيه المجتمع، فالوطن ولاّد المخترعين، والمثقفين، والعلماء، الذين لم ترَ مخترعاتهم وأفكارهم النور لامتلاء الساحة بالغثاء من أمثال هؤلاء مشاهير "السوشل ميديا". وأوضح د. عمر الحارثي - جامعة الملك خالد كلية العلوم الإنسانية - أنه يحسن بنا قبل أن نتحدث عن تأثير مشاهير "السوشل ميديا" على ثقافة المجتمع أن نعرّج إلى التعريف بالشهرة، ومن المستحق والمعني بهذا المصطلح، وما التبعة المتعلقة به والأهداف التي يصبو المشهور للوصول إليها؟. وقال: الشهرة هي ذيوع الصيت والمعرفة على نطاق واسع بين شرائح المجتمع؛ وعليه فإن المشهور يتحمّل العديد من التبعات بناءً على هذه الشهرة، وانطلاقًا من الغرض الذي جاءت الشهرة من خلاله وصولاً إلى المحتوى المقدم من المشاهير. وأضاف: ظهر في المجتمعات المعاصرة وتبعًا للثورة الرقمية في العالم وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي أناس يبحثون عن الشهرة، وقد تعددت أغراضهم وأهدافهم المتعلقة بها، وكيف يكون أحدهم مشهورًا، ولم يبالوا بأي طريقة اشتهروا، حتى وإن جاءت تلك الشهرة عن طريق عقل فارغٍ أو محتوى رخيص هابط، بل وكذب وتدليس، كل ذلك من أجل زيادة أعداد المتابعين الذين يكتشفون لاحقًا كذب هؤلاء المشاهير، لكنهم يستمرون بمتابعتهم والتهافت على محتواهم. امتلاء بالغثاء وبيّن د. الحارثي أن أهم الأسباب التي كانت وراء وصول هؤلاء إلى مكانة اجتماعية سمحت لهم بالإمساك بزمام الإعلام - شئنا أم أبينا - هو ابتعاد أرباب الفكر، والأدب، والعلم، عن تلك المنصات زهدًا في ثقافة المتلقي من جهة، ورقيًا بأنفسهم وعلمهم الذي أفنوا حياتهم لأجل اكتسابه من جهة أخرى، مضيفاً أن الواجب على أفراد المجتمع والمهتمين بالثقافة أن يبرزوا جهود هؤلاء العلماء ويعملوا على إعادتهم إلى مكانهم الطبيعي في توجيه المجتمع، فالوطن ولاّدة بالمخترعين، والمثقفين، والعلماء، الذين لم ترَ مخترعاتهم وأفكارهم النور؛ لامتلاء الساحة بالغثاء من أمثال هؤلاء المشاهير، ناهيك عن انسلاخ أكثرهم من مبادئه وقيمه وما نراه من إيقاع العقوبات على أكثرهم إلّا دليل على سخافة المحتوى المقدم وهبوطه، فضلًا عن حديث البعض منهم عن مجالات فكرية وتربوية وثقافية، فهو ينظّر ويصوّب وهو لا يحمل من المقومات العلمية والثقافية ما يشفع له. ثراء فاحش وذكر د. الحارثي أنه يتفاقم خطر مشاهير "السوشل ميديا" عندما يشكك البعض منهم بثوابت اجتماعية ودينية، وتكمن المشكلة وتتفاقم في تلقي العوام لها وأخذها على أنها حقائق لا مماراة فيها، خاصةً أن أكثر المتابعين لهم من المراهقين والمراهقات الشبان والشابات الذين اغتروا بما رأوه من ثراء فاحش لدى هؤلاء، ففتنوا بهم وبمحاكاتهم في زيهم، وتصرفاتهم، بل وحتى في طريقة حديثهم، مما انعكس سلبًا على تحصيلهم الدراسي والثقافي، وما أفرزته تلك المتابعة على الأسر التي ربما تقع في ضائقة مالية نظراً لمتطلبات أفرادها من الشباب والشابات لكماليات أولعوا بها لكثرة متابعتهم لهؤلاء، وهنا تكمن الإشكالية العظمى كون هؤلاء المشاهير أصحاب تأثير ونفوذ اجتماعي، وثقافي، قد يكون له الأثر الأكبر في انسلاخ المجتمع من قيمه ومبادئه، وما نراه من تجمهر وحضور غفير واحتفاء بهؤلاء حال حضورهم للأماكن العامة وإغلاق الطرقات إلّا دليل على تأثر المجتمع بهم، مختتماً: "لا تجعلوا من الحمقى مشاهير"..! معضلة كبرى وتحدث د. جبران يحيى مخظي - أستاذ علم النفس بجامعة الملك خالد - أنه قبل أن نتحدث عن مشاهير السوشيال ميديا، لا بد أن نتحدث عن الوسائل نفسها، وهي جزء من معضلة اجتماعية كبرى يعيشها الإنسان في وقتنا الحاضر، هذه الوسائل رغم أهميتها إلاّ أنها بدّلت الكثير من شكل الحياة الاجتماعية، مبيناً أن الحياة الاجتماعية والثقافة السائلة وهو مصطلح عالم الاجتماع "باومان" وهي الحياة ذات الإيقاع السريع التي لم يعد فيها ثابت أو مستقر، فكل شي عرضة للتغيير، والتغيير السريع مما جعل إنسان اليوم تحت وطأة التغيير وملاحقة كل شي جديد حتى على مستوى التأهيل الوظيفي وتغير المهن والاستقرار النفسي والكسب السريع والثراء الفاحش، مشيراً إلى أن فكرة التحفيز المستمر والمعلوماتية وخطرها واستغلال الإشاعات من أجل الجذب تظهر الخطر السياسي والاقتصادي والاجتماعي وتمرير الثقافة الخطرة عن طريق المواد الناعمة بدون انتباه وترويج للجهل بطرق سهلة، كما أثّرت على الصحة النفسية والعقلية للأفراد تأثرت بسبب أن الكل أصبح يبحث عن حياة مثالية وحياة المشاهير؛ لأن مستوى المقارنات على حياة الفرد لم يعد يقتصر على الحي أو الجيران بل المقارنات أصبحت عالمية. عدم رضا وأوضح د. جبران مخظي أنه زادت عملية المنافسة وعدم الرضا، وتمني عيش حياة الآخرين - الوجود المستعار -، مضيفاً أن من التأثيرات أن الإنسان لم يعد يعيش اللحظة، إمّا يعيش في ماضي الذكريات المصورة، أو لنقل اللحظة التي يعيشها من أجل إثبات الذات والتغلب على قلق الحياة، مبيناً أنه تبدلت كثير من القيم فأصبحت قيم الكسب أهم، والغاية تبرر الوسيلة، والكل يريد أن يكون صانع محتوى وصاحب بث من أجل القيمة الذاتية أو المادية، مبيناً أن المشاهير يروجون لقيم ثقافية لا يعرفون خطورتها على المجتمع، وكذلك الثقافة الاستهلاكية والثقافة الفردية غير المقيدة، التي قد تجعل ثقافة الكسب هي المحرك الوحيد، وتجعل الأفراد لا يقيمون مدى الخطورة على المجتمع، بل ولا يفكرون إلاّ في أنفسهم، ذاكراً أن ثقافة الفوضى قد تستنزف المجتمع وتجعله عرضة للتجربة الخاطئة، هذه الثقافة تسهم في تلقي المعلومات من مصادر غير موثوقة، ونشر القيم الشخصية حتى لو كانت متطرفة أو هدامة، وتسهيل بناء ثقافة الفردية والكسب السريع والاعتمادية وعدم الرضا والبحث عن الكمال وثقافة التسوق والاستهلاك أكثر من ثقافة الإنتاج. تقييم التجارب وأكد د. جبران مخظي على أن تلك الثقافة فردية وليست جماعية، وتعتمد على مستوى تلقي الشخص وتبعيته وهشاشته الشخصية، وبما أن طبيعة وشكل وسائل التواصل أتاحت الفرصة للمضطربين - اضطرابات الشخصية - مثل الاستعراضيين والشخصيات النرجسية أكثر من غيرهم وقيمهم تسمح لهم بالاستغلال والاستعراض؛ لأن الغاية لديهم تبرر الوسيلة، وكل شخص يبث قيمه الشخصية على أنها هي الصحيحة، وبالطبع سوف يحصل الضعف، ولكن الشيء الإيجابي في هذا العالم لدى البعض ستتيح للإنسان المفكر تقييم التجارب واختبار ومعالجة المعلومات بشكل دقيق، مشدداً على أهمية فرز هذا الكم من المعلوماتية الكبير وامتلاك عقل ناقد فاحص لها، مع عدم الانجراف نحو الشائعات والصور المفبركة والمعلومات المزيفة التي تهدد أمن الفرد وحياته وثقافته. حُب الظهور وقال عبدالكريم الذيابي - نائب رئيس هيئة الصحفيين بالطائف -: إن هناك مظاهر سلبية أظهرتها مواقع التواصل الاجتماعي، كاشفةً عن حب الظهور والتصوير حتى في الأحزان، دون مراعاة مشاعر أسر المتوفين، مضيفاً أن بعضهم يستخدم الظهور في آخر صوره في أشخاص أحياء، لكن يكتب عبارات توحي أنهم متوفون، وهذا امتداد للسلوك السلبي، مؤملاً من وزارة الإعلام ردع أمثال هؤلاء، لافتاً إلى أن الواجب على الأدباء والمثقفين توعية المجتمع لهذه الظاهرة، وعدم التفاعل معهم، أو التجمهر عند تواجدهم، لردعهم عن هذه الأفعال التي لا تناسب أخلاقنا كمجتمع محافظ على مبادئه وقيمه. مشاهير السناب أصبحوا ذوي تأثير ونفوذ اجتماعي وثقافي