كانت وستظل الجبال منارة في تضاريس المكان، سردية تدونها أصابع الريح وتؤثث تفاصيلها الصخور حجرًا فوق حجر. لكن بالنسبة للإنسان فإن الجبال معنى ودلالة تتشكل بالمعايشة والارتباط، واسم تفرضه الأحداث وتحفظه المرويات مانحة الجمادات صبغة إنسانية. الجبال بالنسبة للأرض جغرافيا، أما عند الإنسان فإنها التاريخ، وهكذا تنتقل من مكان في العالم إلى مكانة في الحياة. أسطورة عنوانها جبل أجا وجبل سلمى والواقعين في منطقة حائل، والتي تعيد إحيائها وإثارة الفضول والتنبه إليها وزارة الثقافة عبر تنظيم مهرجان "أجا وسلمى" في منتزه المغواة بمدينة حائل خلال المدة من "29 سبتمبر إلى 7" أكتوبر المقبل، هادفة إلى تقديم تجربة ثقافية متكاملة في موقع يُعد من أشهر المعالم الطبيعية في المملكة، ويحمل في طياته تاريخاً عريقاً يستحق الاحتفاء، مع ما يشتمل عليه ذلك من تقدير للهوية والتراث والأصالة المرتبطة بمنطقة حائل. مهرجان "أجا وسلمى" والذي يعكس فنون وتقاليد منطقة حائل بين جنبات الجبلين الشهيرين، متضمناً أنشطة ثقافية تتنوع بين الرسم والمسرح والموسيقى وفنون الطهي والأدب، إلى جانب تفعيلات إبداعية للأطفال، في مساحة تحاكي قصة عاشقين يستحيل عليهما اتخاذ خطوة لتغيير المصير، يتقاسمان الحظ ذاته وتجسيد اتباع القلب والاستجابة للحب، ملحمة وتعويض على شكل قصة تثير الحواس وتفتح الذهن على التأمل في مدى ارتباط الإنسان بالمكان وتلازمهما الدائم. في مسافة تمتد من الجنوب الغربي لمدينة حائل إلى الشمال الشرقي بما يقارب 100 كم طولاً وبين 25 و35 كم عرضاً يكون جبل أجا، وعلى بعد يصل إلى نحو 60كيلو متر يستقر جبل سلمى، والذي يمتد من الشمال الشرقي باتجاه الجنوب الغربي بعرض يصل إلى 13 كيلو متر، تباعد يتناسب مع قدر الحبيبين ومسافة زمنية تصور قِدم وعبق السيرة، تخليد وتعاطف مع حكاية قديمة تقول" "أن أجا كان رجلاً من إحدى قبائل العماليق التي تسكن هذا المكان من الجزيرة العربية، وسلمى هو اسم فتاة كانت تبادله العشق حد الجنون، ولكن رفض أهلهما تزويجهما بسبب بعض الأعراف القبلية. وفي يوم من الأيام هربت سلمى مع رفيقها أجا، فطاردهما القوم حتى أمسكوا بهما بين جبلي أجا وسلمى وهناك قتلوهما وصلبوهما، أجا على الجبل الغربي وسلمى على الجبل الشرقي، فحملا هذا الاسم حتى الآن"، ويظلان شاهدين على الحب حتى الموت. المكانة التاريخية لجبلي أجا وسلمى تأصلت عبر مرور الزمن وتوثقت بالقصائد، محققة رمزية وعنصر تراثي قابل للتوظيف والسفر إلى أجيال وحكايات قديمة وتجارب غادرت المكان ولكن المكان استمر بالوفاء والتذكر، الأمر الذي استطاعت وزارة الثقافة من محاكاته عبر أنشطة المهرجان والمتمثل في عرض هولوجرامي يحكي أسطورة أجا وسلمى التاريخية، وعروضاً ضوئية على الكثبان الرملية والجبال المحيطة ومعرضاً رقمياً، إضافةً إلى حضور للمنسوجات الخاصة بالبيئة الحائلية والصحراوية والحِرَف اليدوية، وكذلك صور ومعروضات من الآثار التاريخية والأدوات الفنية، والتي تتناغم وتتمازج مع وصلات أدائية فلكلورية لمختلف الشعوب والثقافات العالمية التي تجذرت في طبيعة شبيهة بتضاريس حائل، لتكون نافذة للتأمل في مدى تأثير العوامل الطبيعية على تراث الإنسان وطباعه وفنونه، ومتضمنة هذه العروض: الفلكلور السعودي، والفلكلور المغربي، والفلكلور البيروفي، والفلكلور المنغولي، والفلكلور المكسيكي، والفلكلور الأفريقي، والفلكلور العُماني. يمكن القول أن مهرجان "أجا وسلمى" يعد مسرحاً مفتوحاً على الثقافات وعلى الحكايات، مساحة للنقاش وطرح التساؤلات واليقين من قدرة القصص على مقاومة النسيان ومواصلة حيوية الظهور والتجدد، إلهام للزائر وتعريف بالمكان وفرص الاستثمار الثقافي والتقارب بين الأرض والبشر مهما تباعدت المسافة وتباينت الرؤى والأفكار، خطوة من وزارة الثقافة في خلق منصات متنوعة للاكتشاف والمعرفة القائمة على الأصالة من جانب، وضرورة استدامة التواصل مع اللحظة الممتدة إلى أبعد نقطة في الماضي والمتجاوزة من الآن إلى المستقبل.