حكمت 70 عاماً.. وعايشت 15 رئيساً للوزراء.. خضعت للإشراف الطبي في قلعة بالمورال في أسكتلندا، ولفظت أنفاسها الأخيرة فيه، وأعلن قصر باكنغهام في بيانه "الملكة إليزابيت الثانية توفت بهدوء".. وأصبح قصر باكنغهام بلا إليزابيث.. وأضحى ابن الملكة الراحلة الأكبر تشارلز ملكاً للمملكة المتحدة، البالغ 73 عاماً تلقائياً، عملاً ببروتوكول عمره قرون، ليبدأ فصلاً جديداً للعائلة المالكة، بعد فترة حكم الملكة التي حطّمت الرقم القياسي بتبوّئها العرش لسبعة عقود، والتي تعد الأطول بقاء في حكم بريطانيا، والأكبر عمراً بين ملوك العالم. وصعدت الملكة إلى العرش في عام 1952، وشهد عصرها تغيرات اجتماعية هائلة. وقال الملك الجديد ناعياً والدته: "أعلم أن الحزن على رحيلها سيعمّ بريطانيا ودول اتحاد الكومنولث، وسيشعر به عدد لا يحصى من البشر حول العالم"، فيما قالت رئيسة الوزراء ليز تراس، التي عينتها الملكة يوم الثلاثاء الماضي: إن الملكة كانت الأساس الذي أقيمت عليه بريطانيا الحديثة، وإنها "أمدتنا بالاستقرار والقوة التي كنا في حاجة إليها". وعانت الملكة مما وصفها قصر باكنغهام ب"مشكلات عرضية في الحركة" منذ نهاية العام الماضي، حيث اضطرت إلى تقليص ارتباطاتها العامة منذ ذلك الحين. وبعد نحو سبعين عاماً على اعتلائها عرش بريطانيا، ظهرت الملكة إليزابيث دائماً في صحة جيدة في الأماكن العامة، وشاركت بشكل دائم في مناسبات رسمية بينما لم يعلن إلا نادراً عن إدخالها المستشفى. لكن في مايو ألقى الأمير تشارلز بدلاً عنها للمرة الأولى خطاب العرش أمام البرلمان وهو من أبرز مهامها الدستورية. وتعود المرة الأخيرة لدخولها مستشفى إلى 2013 عندما أمضت 24 ساعة في المستشفى بسبب إلتهاب في المعدة والأمعاء. والعام الماضي، قبل بضعة أيام من بلوغها 95 عاماً، فقدت الملكة زوجها الأمير فيليب، الذي كان سيبلغ من العمر مئة عام في العاشر من يونيو 2021. وفقدت الملكة بذلك على حد تعبيرها "قوتها" و"سندها" الذي ظل منذ تتويجها في 1952 خلفها ومؤيداً لها بثبات. وخلّف رحيل الأمير فيليب "فراغاً كبيراً" في حياة زوجته، وفق ما أفاد ابنهما أندرو خلال قدّاس تأبيني على روح والده. ومطلع يونيو احتفل البريطانيون على مدى أربعة أيام بمرور سبعين عاماً على اعتلاء الملكة إليزابيث الثانية العرش، ولم يسبق لأي عاهل بريطاني أن تولى العرش لهذه الفترة الطويلة. ومن غير المرجح أن يحقق أي ملك آخر ذلك، فالأمير تشارلز وارث العرش يبلغ 73 عاماً، فيما نجله وليام سيحتفل بعيده الأربعين قريباً. وتتبع الأسرة الحاكمة البريطانية بروتكولاً حاسماً في حالة وفاة الملوك بعد الساعات والأيام التي تلي الوفاة الملك، واستخلص البروتوكول من سلسلة من الخطط الموضوعة بعناية والتي تم وضعها منذ الستينات في عملية أطلق عليها اسم "عملية جسر لندن" بدءاً من الخطة الأمنية بالكامل، والتي توضح بالتفصيل كل شيء بما فيها من كيفية مشاركة أخبار وفاة الملك للجمهور إلى السرعة التي سيصعد بها الأمير تشارلز العرش. ويتضمن البروتوكول أيضاً تفاصيل حول ما سيحدث خلال الأيام العشرة التالية لوفاة الملكة، بما في ذلك المكان الذي سيذهب إليه نعشها، وكيف سيتحدث رئيس الوزراء عن الأخبار علنًا، وكيف سيقضي الأمير تشارلز أيامه القليلة الأولى كملك. وتتضمن "عملية جسر لندن" إبلاغ الشعب البريطاني بوفاة الملكة، ويشار إلى اليوم الذي تموت فيه الملكة باسم "D-Day"، بينما سيشار إلى كل يوم بعد ذلك باسم "D+1" و"D+2" وما إلى ذلك. ويتضمن البروتوكول "سلسلة مكالمات" تحدث بعد وفاة الملكة لإبلاغ رئيس الوزراء، وسكرتير مجلس الوزراء، والعديد من كبار الوزراء والمسؤولين الحكوميين إلى جانب إخبار رئيس الوزراء من قبل السكرتير الخاص للملكة، وكذلك مكتب مجلس الملكة الخاص. كما يتم إعطاء الأمناء الدائمين للوزارات نصًا لإبلاغ وزراء الحكومة الآخرين نصه: "لقد تم إبلاغنا للتو بوفاة جلالة الملكة"، فيما يرسل سكرتير مجلس الوزراء رسالة بريد إلكتروني إلى كبار موظفي الخدمة المدنية، يأتي نصها: "زملائي الأعزاء، أكتب بحزن لأبلغكم بوفاة جلالة الملكة". بعد تلقي هذا البريد الإلكتروني، يتم إنزال الأعلام في قصر وايتهول بلندن، أما بالنسبة الشعب، فيتم إخبارهم "بإخطار رسمي" تسلمه الأسرة المالكة، حسبما ورد في الوثائق الخاصة في البروتوكول، فيما يقدم أعضاء البرلمان التحية للملك الجديد الملك تشارلز في مجلس العموم، وسيتم تعليق الأعمال البرلمانية لمدة 10 أيام. وسيصعد الأمير تشارلز إلى العرش في اليوم التالي لوفاة الملكة، المعروف باسم «D-Day+1»، وسيجتمع مجلس الانضمام في قصر سانت جيمس لإعلان الأمير تشارلز ملكًا جديدًا. وسيحضر المئات، بمن فيهم رئيس الوزراء وكبار وزراء الحكومة، الذين سيُطلب منهم جميعًا ارتداء لباس الصباح أو بدلات طويلة مع ربطات عنق سوداء أو داكنة. أما بالنسبة لتابوت الملكة فسيتم نقل جثمانها بالقطار الملكي إلى لندن بالقطار الملكي كجزء من عملية تعرف باسم "يونيكورن" في الوثائق. وسيتم الترحيب بالنعش من قبل رئيس الوزراء وكبار الوزراء، وفي "D-Day+4"، وستكون هناك بروفة لموكب التابوت من قصر باكنغهام إلى قصر وستمنستر، سيعقد الموكب الفعلي في "D-Day+5"، وستستلقي الملكة بعد ذلك في الولاية لمدة ثلاثة أيام في قصر وستمنستر، وهو ما يُعرف باسم "عملية الريشة" بينما تعلن العائلة المالكة عن خطط الجنازة، والتي ستتم على الأرجح بعد 10 أيام من وفاة الملكة. وستقام الجنازة في وستمنستر أبي وسيكون هناك صمت لمدة دقيقتين في منتصف النهار. وسيتم دفن الملكة في كنيسة الملك جورج السادس التذكارية في وندسورن.. وهناك أسماء رمزية لأعضاء العائلة المالكة الآخرين، وتُعرف الملكة باسم "جسر لندن"، ويتم أيضًا إعطاء أعضاء آخرين من العائلة المالكة أسماء رمزية تُستخدم للإشارة إلى الخطط عند وفاتهم. يشار إلى وفاة الأمير فيليب باسم "عملية الجسر الرابع"، والاسم الرمزي للأمير تشارلز هو جسر ميناي. وقادت الملكة إليزابيث الثانية بريطانيا في أوقات بالغة الصعوبة كتلك التي تلت الحرب وشهدت تدابير تقشف؛ والانتقال من الإمبراطورية إلى اتحاد الكومنولث؛ ونهاية الحرب الباردة؛ وانضمام المملكة المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي ثم الخروج منه. وتوالى على حُكم الملكة إليزابيث الثانية 15 رئيس وزراء بريطاني، كان أوّلهم ونستون تشرشل المولود في عام 1874، وآخرهم ليز تراس المولودة بعد ذلك التاريخ ب101 عام، التي عينتْها الملكة في وقت سابق من الأسبوع الجاري. وشهد عصرها نهاية الإمبراطورية البريطانية في الخارج، وكانت رمزاً للاستقرار والاستمرار في عالم متغير، وقد شهد عصرها تغيرات اجتماعية هائلة. وفي سن العاشرة، كانت "ليليت" -كما كانت تُعرف إليزابيث في العائلة- وريثة للعرش في كنف والدها الملك جورج السادس. وفي غضون ثلاث سنوات، كانت بريطانيا في حالة حرب مع ألمانيا النازية، وقضت إليزابيث وشقيقتها الصغرى الأميرة مارغريت، كثيراً من أوقات الحرب في قلعة وندسور بعد أن رفض والداهما اقتراحات بإجلائهما إلى كندا. وخلال الحرب، تبادلت الرسائل مع ابن عمها الثالث فيليب أمير اليونان، الذي كان يخدم في البحرية الملكية قبل أن تتطور علاقتهما الرومانسية ويتزوجا في كنيسة وستمنستر في 20 نوفمبر من عام 1947 ليحصل الأمير على لقب دوق إدنبرة. وتوّجت إليزابيث، في كنيسة وستمنستر، في الثاني من يونيو من عام 1953، بينما كانت في عمر السابعة والعشرين، وشاهدها عبر شاشات التلفزة عدد قياسي من المشاهدين وقتها، قدّر بأكثر من 20 مليون مشاهد.