إن عصر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان ليس كسابق العصور، إنه عصر الريادة بكل مظاهرها وتفاصيلها. وإن الاهتمام الكبير الذي يوليه خادم الحرمين الشريفين بموسم الحج هذه السنة كان جلياً بدءاً من الإجراءات والتسهيلات والخدمات ذات الجودة التي يتابعها شخصياً وهو في ذلك يسعى لخدمة ضيوف الرحمن، وصولاً بتكليفه لشخص معالي أمين عام رابطة العالم الإسلامي الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى لأداء الصلاة وإلقاء خطبة عرفة لأول مرة، وهي خطوة لم تكن من فراغ، بل إن الملك سلمان يدرك تماماً المكانة العلمية التي يتمتع بها الشيخ العيسى والتي تؤهله ليكون إماماً وخطيباً متميزاً، وقد استحق هذه الثقة بجدارة عالية. من هو الشيخ محمد العيسى المكلف بإلقاء خطبة عرفة؟ لم يكن الشيخ محمد بن عبدالكريم العيسى شخصية دينية عادية أو عابرة، بل برز بفضل مؤهلاته العلمية، فهو حاصل على درجتي الماجستير والدكتوراة في الدراسات القضائيّة المقارنة وعلى دراسات في القانون العام - القانون الدستوري، كما ترقى في درجات السلك القضائي لينال درجة رئيس محكمة تمييز، إضافة إلى أنه يحظى بكفاءة عالية لخصتها مسيرته منذ توليه وزارة العدل عام 2009، ليشغل منصب رئيس المجلس الأعلى للقضاء عام 2012، فمستشاراً بالديوان الملكي، حيث أبلى بلاء حسناً في أداء مهامه من خلال مجموع الإصلاحات التي قام بها، بل إن عهده شهد إصدار أول رخصة محاماة للمرأة السعودية. إن خبرته في مجال القضاء مكنته من تكوين شخصية فذة وصلبة لتخوض غمار التحديات مهما كانت المدلهمات، كما أنه قامة فكرية مستنيرة تحب العلم ومنابعه، فإضافة إلى مسؤولياته العظيمة، فإنه لا يتأخر عن دروب العلم ومناراته، فهو الذي ألقى الكثير من المحاضرات الأكاديمية، وناقش رسائل علمية في كبرى الجامعات داخل المملكة وخارجها، خاصة في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، ما يعني أنه ترك بصمة داخل المملكة وخارجها، وهو الذي حاز على جوائز داخل المملكة والعالم بأكمله، فقد منحته لجنة جائزة الاعتدال بالمملكة العربية السعودية جائزتها نظير جهوده في نشر الاعتدال، كما حاز وسام الدولة الأكبر من رئيس جمهورية السنغال تقديراً لجهوده العالمية في نشر قيم الاعتدال الديني وتعزيز التعاون بين أتباع الثقافات والأديان، ولقاء مبادراته وبرامجه الإنسانية حول العالم. إن الشيخ العيسى استطاع بفضل مكانته العلمية وتجربته العملية أن يحظى بتقدير العلماء، فقد تم انتخابه من سبعين شخصية إسلامية من عموم الدول الإسلامية يمثلون المجلس الأعلى للرابطة، وهم من المذاهب الإسلامية كافة. لماذا اختيار الشيخ العيسى لخطبة عرفة؟ إن تكليف خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، لمعالي الشيخ محمد العيسى عضو هيئة كبار العلماء والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، بإلقاء خطبة وإمامة الصلاة في عرفات لأول مرة يأتي في ظل الجهود التي يبذلها الشيخ العيسى في سبيل بناء الجسور بين أتباع المذاهب الإسلامية وتكريس منهج الاعتدال وباعتباره العنوان الأبرز للوسطية، ولأن خطبة عرفة تعد خطبة لها تأثيرها على المسلمين، كما أنها تشكل محور أنظار عدسات العالم الذي يترقب محتوى الخطبة الموجهة للمسلمين هذا العام، والتي سيكون لها آثار عالمية خصوصاً في ظل انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا وخطاب الكراهية، وهذه الخطبة ستكون رسالة لها وزنها التاريخي، لذلك فإن الشيخ العيسى هو العالم الوسطي في المكان المناسب، نفع الله به الإنسانية وجزاه الله خير الجزاء. * الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي