تعد الأسرة الركيزة الأساسية في بناء المجتمع الإنساني، وقد شهد المجتمع في المملكة تحولات كبيرة وسريعة خلال السنوات القليلة الماضية شملت مختلف أبنية المجتمع وكانت الأسرة من أكثر الكيانات التي تأثرت بهذه التحولات الايجابية، وهذا مايؤكد الحرص في مشاركة العالم في الاحتفال باليوم العالمي للأسر الذي يصادف ال15 من شهر مايو الحالي. ويعد هذا اليوم من كل عام يوم عالمي للأسرة، واحتفاء المملكة بهذا اليوم تعمق فيه مفهوم تماسك هذا الكيان والحفاظ على هويته وقيمه وتحسين مستوى الحياة الأسرية بمختلف جوانبها، إلى جانب تعزيز دور الأسرة في عملية التنمية من خلال تطوير تفاعلها مع المؤسسات المجتمعية لأداء مسؤولياتها بشكل كامل في المجتمع. ويهدف هذا اليوم الذي أعلنته الأممالمتحدة لتسليط الضوء على أهمية الأسر في المجتمع ودورها في بناء، وزيادة الوعي حول القضايا التي تؤثر عليها في جميع أنحاء العالم، حيث يعكس الاحتفال بهذا اليوم الأهمية التي يوليها المجتمع العالمي للعائلات كوحدات أساسية في المجتمع، علاوة على اهتمامه بوضعهم في جميع أنحاء العالم. وسبق واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 1993 هذا اليوم مناسبة عالمية للاحتفاء بالأسر لبيان وتأكيد الأهمية التي يوليها المجتمع الدولي للأسر، وتعزيز الوعي بالمسائل المتعلقة بالأسر ودورها وأثرها المهم في بناء المجتمعات. وقد أولت المملكة من خلال رؤية 2030 اهتمامًا بالغًا بالعناية بالأسرة حيث جاءت تحت أهم المحاور التي ترتكز عليها وهو المجتمع الحيوي الذي يعتبر أساسًا لتحقيق هذه الرؤية وذلك بجعل بنيانه متينًا من خلال تمكين الأسرة وتسليحها بعوامل النجاح اللازمة لتمكينها من رعاية أبنائها وتنمية ملكاتهم وقدراتهم. «شؤون الأسرة» وصدرت الموافقة على تعديل تنظيم مجلس شؤون الأسرة يوم الثلاثاء 1443/8/12ه الموافق 2022/03/15 م، ويرأس وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية م. أحمد بن سليمان الراجحي رئاسة مجلس شؤون الأسرة، الذي يؤكد بدوره أن هذه الموافقة تأتي امتدادا لما تحظى به منظومة الأسرة من دعم واهتمام كبيرين من حكومتنا الرشيدة، التي سخرت الإمكانات كافة في سبيل تمكين الأسرة، وتعزيز جودة الحياة لكل أفرادها، إيمانا بدورها الفاعل والحيوي في دعم مسيرة التنمية التي يشهدها وطننا الغالي على كفة الأصعدة. مؤكدا أن هذه الخطوة المباركة من شأنها أن تسهم -بمشيئة الله- من خلال العديد من البرامج والمبادرات التكاملية الممكنة للأسرة مع الجهات ذات العلاقة بها، بما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة للمرأة والطفل وكبار السن ومواكبة رؤية 2030. ويتشارك مجلس شؤون الأسرة مع الجهات الحكومية والأهلية ذات العلاقة بالأسرة للقيام بأدوارها، وتحقيق غاياتها، والتنسيق بينها، لتكوين الرؤية المشتركة للأسرة، وكذلك التوعية بحقوق أفراد الأسرة وواجباتهم في الإسلام. وتحديد المشكلات والمخاطر التي تتعرض لها الأسرة، والعمل على وضع الحلول المناسبة لها، إضافة لتوعية المجتمع بأهمية قضايا الأسرة، وسبل معالجتها. وتشجيع المشاركة الأهلية في الاهتمام بقضايا الأسرة، وطرح الحلول لمعالجتها. وتقديم الرأي للجهات المعنية حيال التقارير الوطنية التي تعد عن الأسرة (الطفولة، والمرأة، وكبار السن)، وإبداء الرأي حيال التقارير والدراسات والاستفسارات والتوصيات التي تصدرها الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية حول النشاطات والبرامج المتعلقة بشؤون الأسرة، إضافة لإبداء المقترحات في شأن التشريعات ذات العلاقة بالأسرة، وإعداد قاعدة معلومات بشؤون الأسرة، والتعاون مع الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية المعنية بشؤون الأسرة، والمشاركة في المؤتمرات والندوات التي تعقد لبحث قضايا الأسرة. والتعاون مع مراكز البحوث المحلية والعالمية، لإجراء البحوث والدراسات المتعلقة بشؤون الأسرة، بحسب الإجراءات المتبعة، إضافة لإقرار اللوائح الداخلية للمجلس بالاتفاق مع الجهات ذات العلاقة. «رعاية الأسر» وتعمل المملكة أيضاً من خلال وكالة الرعاية الاجتماعية والأسرة في وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية لوضع البرامج والمشاريع التي تسهم في المعاونة على رفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي للأسر والأخذ بأيديهم نحو مساعدة أنفسهم عن طريق تنفيذ العديد من الأنشطة التي تأتي في مقدمتها خدمات الرعاية الاجتماعية والأسرة. ففي مجال الرعاية الاجتماعية تعد الوكالة الجهة المنوط بها لتوفير الرعاية الاجتماعية للأسر الذين تحيط بهم مشاكل اجتماعية يعجزون عن مواجهتها والتغلب عليها باعتمادهم على قدراتهم وإمكاناتهم الذاتية. وتسعى الوكالة إلى المساهمة في وقاية الأسر من الانحرافات والمشكلات والظواهر الاجتماعية السلبية التي تعرقل مسيرتهم وتعوق تقدمهم، وتعمل على تحويل قواها البشرية المعطلة لأي سبب ما إلى طاقات منتجة تكفل نفسها معيشياً من خلال رعاية وتدريب وتأهيل الأفراد في دور ومؤسسات ومراكز الرعاية الاجتماعية المختلفة، أو من خلال تقديم الإعانات المستمرة للأسر البديلة التي تقوم بمهمة توفير الرعاية بديلاً عن المؤسسات والأسر المعرضة للتفكك والانهيار هذا إلى جانب تشجيع ودعم القطاع الأهلي الخيري التطوعي للإسهام في تقديم خدمات الرعاية الاجتماعية في شتى صورها. وتكثف الوكالة جهودها نحو الاهتمام ببرامج رعاية الأسرة والطفولة من خلال دعم أنشطة رعاية الأسرة والطفولة، بوصف الأسرة الركيزة الأساسية في بناء المجتمع الإنساني، وفي هذا المجال تركز الوكالة جهودها في اتجاه توعية الأسرة وإرشادها للقيام بوظيفتها الفاعلة في تنشئة أبنائها عدة المستقبل وإعدادهم للإسهام في تحمل أعباء التنمية وإحراز التقدم للمجتمع اقتصادياً واجتماعياً. كما تهتم الوكالة بالعمل لتحقيق أسس الرعاية والتوجيه السليم لمن يتم رعايتهم في الدور والمؤسسات الاجتماعية، من خلال الاهتمام بأنشطة التكيف والتقبل وتهيئة الاستقرار الاجتماعي لهذه الفئات وذلك بهدف إعادة تكيفهم الاجتماعي مع المجتمع الخارجي وحماية المجتمع من المشكلات المترتبة على ظاهرة العودة للانحراف، ومساعدتهم للتغلب على المشاكل التي قد تواجههم عند عودتهم لبيئاتهم الطبيعية. «الأسرة و2030» لم تكن رؤية المملكة 2030 بعيدة عن الاستشراف المستقبلي لما سيكون عليه الوطن بعد 15 عاماً، فقد جاءت كما قال د. عبدالمحسن الداود: وهي تحمل محاور رئيسة رائعة ستمثل أساساً حيوياً لأي تنمية مستقبلية هدفها «بناء مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر في وطن طموح»، ومن ضمن بناء مجتمع المستقبل زيادة مشاركة المرأة في التنمية، وبرنامج تعزيز جودة الحياة، وبرنامج تعزيز الشخصية الوطنية السعودية. وتحقيقاً لهذه المبادئ الجوهرية في رؤية المملكة فقد سبق وصدر قرار مجلس الوزراء بتأسيس مجلس لشؤون الأسرة لكي يتولى تنسيق السياسات ووضع التنظيمات المتعلقة بتنمية ورعاية شؤون الأسرة داخل المملكة، وتحسين كفاءة الخدمات المقدمة لها، ومساندتها في جوانب حياتها كافة، فالمملكة وانطلاقاً من رؤية 2030 تضع الأسرة نصب أعينها في قراراتها ومبادراتها كافة. وهذه الخطوة الرائدة في تأسيس مجلس شؤون الأسرة ليس الهدف منها فقط تعزيز دور الأسرة في المجتمع، ولكن أيضاً التعريف بجهود المملكة فيما يتعلق بالأسرة لدى المحافل الدولية، وتشجيع المشاركة الأهلية في الاهتمام بقضايا الأسرة، هذا خلاف اهتمامه بكبار السن ووضع نظام يكفل حقوقهم الاجتماعية، وسعيه إلى تمكين المرأة وحماية الطفل. ويضيف د. الداوود: من خلال متابعتي لنشاط المجلس لمست اهتماماً خاصاً من القيادة العليا بتفعيل دوره في أسرع وقت ممكن ليتمكن من الوفاء بالأهداف التي أنشئ من أجلها، من خلال المبادرة بإعداد استراتيجية للأسرة السعودية تتضمن قاعدة معلومات تخدم قضاياها، ورفع التوعية المجتمعية بحقوق أفراد الأسرة وواجباتهم، ومعرفة الاحتياجات الخاصة بالأسرة والمرأة والطفل ليوحد الجهود، ويضع الخطط الاستراتيجية الكفيلة بتحقيق أهدافه، فبدأ بالسعي إلى ترجمة أهدافه إلى واقع عملي. والأسرة السعودية وإن كانت بحمد الله متماسكة في كل أمورها بصفة عامة، إلا أن هذا لا يعني أنها لا تعاني من المشكلات خاصة في ظل التحولات الاجتماعية والقيمية التي نشهدها في عالمنا المعاصر، فمن المعلوم أن دور ومكانة الأسرة لن يتعززا، ويتحقق تأثيرها في المجتمع إلا إذا كانت قوية متماسكة ترعى أبناءها وتلتزم بالقيم الدينية والأخلاقية والمثل العليا، فالأسرة هي عماد وأساس المجتمع، ويقع على عاتقها دور كبير ومهم في البناء الاجتماعي والالتزام القيمي. «مصنع الأجيال» ويؤكد رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان المستشار خالد بن عبد الرحمن الفاخري: أن حرص الجمعية العامة للأمم المتحدة على الاحتفاء بهذا اليوم يؤكد قناعة المجتمع الدولي بأن الأسرة تشكل الوحدة الأساسية للمجتمع ما يستوجب منحها أكبر قدر ممكن من الحماية والتحفيز والمساعدة، بحيث تتحمل مسؤولياتها بشكل كامل في المجتمع، ويصبح كل عضو فيها مثمرا ومنتجاً. وتابع : بأن الأسرة تعد مصنع الأجيال والأساس المتين لتكوين رأس المال البشري في المجتمع، وأن الأسرة القوية هي المتطلب الأساسي للمجتمع القوي والناجح. مشيراً إلى أن النظام الأساسي للحكم في المملكة نص في مادته التاسعة على أن «الاسرة نواة المجتمع السعودي، ويربى أفرادها على أساس العقيدة الإسلامية» وجاءت المادة العاشرة من النظام ذاته لتؤكد «حرص الدولة على توثيق اواصر الاسرة والحفاظ على قيمها العربية والإسلامية ورعاية جميع أفرادها، وتوفير الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم». وأضاف الفاخري: على أنه ومن هذا المنطلق فقد شهد المجتمع في المملكة تحولات كبيرة وسريعة خلال السنوات القليلة الماضية شملت مختلف أبنية المجتمع وكانت الأسرة من أكثر الكيانات التي تأثرت بهذه التحولات الايجابية، وأشار إلى تأسيس مجلس شؤون الاسرة وما يقوم به من جهود للرقي بالأسرة وتعزيز مكانتها ودورها في البناء والتنمية، والعمل على توفير سُبل الحياة الكريمة، بوصفه الجهة الرسمية التي تمثل المرأة والأسرة والطفل وكبار السن في المنظمات والهيئات الدولية ، بما يساهم في استقرار الأسرة اجتماعياً واقتصادياً لتتواءم مع رؤية 2030 التي جعلت الإنسان محور التنمية، كما نوًه رئيس الجمعية بموافقة مجلس الوزراء مؤخراً على تعديل تنظيم المجلس من خلال ربطه بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ومنحه الاستقلال المالي والإداري وهو ما يؤكد حرص القيادة حفظها الله على تعزيز دور هذا المجلس لتحقيق أهدافه في خدمة الاسرة السعودية ورفع شأنها.