في واحدة من حلقات مسلسل الرسوم المتحركة (عائلة سيمبسون)، يدخل المدرس المستجد إلى صف في المرحلة الابتدائية، ويطرح سؤالاً، تقف طالبة مجتهدة وتجيب عن السؤال بإسهاب من ذاكرتها، لكن بدل المديح، تتلقى الطالبة الاستنكار من المدرس لأنها ضيعت وقتها وجهدها في الحفظ! بينما يمكن الحصول على الإجابة مباشرة باستخدام الهاتف الذكي والبحث في الإنترنت. والنتيجة، أن أخرج بقية الطلبة هواتفهم الذكية، وشرعوا في استخدامها وسط الدرس. من خلال هذه القصة، نتناول واحدة من تأثيرات استخدام الأجهزة الذكية وهي الاتكال الكبير عليها لحفظ الذكريات والوصول إلى المعلومات، سواء المكتوبة أو المصورة. وعلى المدى البعيد تتأثر ذاكرة الإنسان سلباً بسبب الاعتماد على ذاكرة خارج الدماغ، وهذا ما يُعرف بتأثير غوغل (Google Effect) أو فقدان الذاكرة الرقمي. ولتبسيط الفكرة، عند محاولة تذكّر معلومة ما للمرة الأولى، يستغرق الدماغ في تفكير يحفّز الخلايا العصبية بما يشبه التمرين، وفي المرة الثانية نجد أن استرجاع المعلومة صار أسرع بكثير، لأن الدماغ عرف كيف يتوصل إليها من المرة السابقة، لكن عند استخدام غوغل للوصول السريع إلى المعلومة، فلن يمر الدماغ بمرحلة التفكير المذكورة، وبالتالي تضعف مهارة التذكر واسترجاع المعلومات لاحقاً. هذا الموضوع ذكرني بحوار مع معلمي في المرحلة المتوسطة عن واحدة من أشراط الساعة، وهي رفع و زوال العلم في آخر الزمان. وكان التفسير وقتها أن العلم يزول بموت العلماء، وسيُفاجأ الناس بأن صفحات الكتب صارت فارغة دون أي كتابة عليها أو معلومة يُستفاد منها. وهذه المقالة تقترح تفسيراً موائماً، لعل الناس تصل في المستقبل إلى مرحلة تكون ذكريات البشرية وجميع علومها محفوظة في ذاكرة خارجية على أجهزة الحاسب وسحابات الإنترنت، وسيكون لزاماً على الناس استخدام أجهزتهم الذكية للوصول إليها. وفي آخر الزمان، ولسبب من الأسباب، ستزول هذه الذاكرة الخارجية التي تستأثر بالمعلومات، وستتعطل الأجهزة الذكية، وستعرض شاشاتها صفحات بيضاء لعدم إمكانية الوصول إلى الذاكرة الخارجية، وقتها لن يتبقى علم مفيد لأن ذاكرة الناس تخلو منه. وفي الختام، إن كانت هناك من نصيحة، فلا بد لنا من تخصيص أوقات للبعد عن الأجهزة الذكية، ومحاولة التذكر وتنشيط الذاكرة كل فترة، وبالإمكان لقاء الأصحاب والأقارب واسترجاع الذكريات معاً. وكذلك ممارسة الألعاب البسيطة وحل الألغاز القصيرة التي تنمي التفكير، وغيرها أمور عدة يمكن عملها حتى تنشط وتتقوى الذاكرة، وكي لا ننجرف مع تأثير غوغل بالتأكيد.