منذ أوائل التسعينيات، ومع إعادة تشكيل نظام العلاقات الدولية، أصبحت الشراكات المفتاح الأهم للتعامل مع التحديات الدولية في قضايا مُعينة، ومع تزايد هذه الأهمية، فإنه حتى الآن لا يوجد إجماع في الأدبيات حول العناصر التي تُشكل فِكرة الشراكة الاستراتيجية، فمِن أشهر وأقدم الشراكات، الاتفاقية بين الرئيس الأمريكي بيل كلينتون والرئيس الروسي بوريس يلتسين، عام 1994م، والتي حددت مرحلة جديدة من الشراكة الإستراتيجية، التي تقوم على المساواة والمنفعة المتبادلة والاعتراف بالمصالح الوطنية لبعضهما البعض (إعلان موسكو)، لذلك نجد أن الشراكات الاستراتيجية الدولية، تُعد شكلاً جديداً لنظام العلاقات الدولية المُتطور - خصوصاً في عالم مُكوّن مما يقرب من مائتي دولة تختلف قواها ومستوى تنميتها وتقدمها ومِيزّها النسبية - وتُمثل مبدأً عصرياً لتنظيم الحياة الدولية. تتسابق - وأحياناً تتسرع - بعض الدول والمنظمات في إطلاق كلمة شراكة بدلاً من علاقة، والبعض الآخر يبالغ في تقدم وتحسن العلاقة، بوصفها شراكة استراتيجية، وهي في الواقع لم تتجاوز مجرد علاقة تحسنت أو تعززت في الآونة الأخيرة. فالشراكة الاستراتيجية تحتاج إلى تحليل مُستفيض لمؤشرات في عدد من المجالات، وإلى حساب دقيق للمكاسب والتكاليف، وإلى تحديد للأولويات، وما يمكن أن يُمنح وما يجب أن يُؤخذ (Give & Take)، وإلى بناء استراتيجية تُنفذ على المدى المتوسط والطويل، كما تحتاج هذه الشراكة إلى آلية مناسبة لقياس مدى التقدم فيها، وآلية فاعلة لحل ما تواجه هذه الشراكة من تحديات، ولعلي هنا أورد مثالاً مناسباً للتحرك، فبعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كانت قد وضعت تصوراً واضحاً عن خطتها الاقتصادية، خصوصاً تجارتها، فهي تعّي تماماً عدم قدرتها على اللعب والتأثير بشكل مباشر وكبير في منظمة التجارة العالمية – المنظمة العالمية مُتعددة الأطراف – لذا قررت الدخول في اتفاقيات تجارة حُرّة مع عدد من الدول المستهدفة لفتح أسواق تلك الدول لمنتجاتها. لا شك أننا في عالمنا العربي، بحاجة إلى وضع استراتيجية مبنية على أُسس متينة، أخذت وقتها من الدراسة والتحليل، لتحديد شركائنا الدوليين من القطاع العام والخاص، وأن تكون هذه الإستراتيجية مُستمدة ومُستقاة من الإستراتيجية الوطنية للدولة أو للمنظمة الحكومية أو الخاصة، وأن تصُب في تحقيق مستهدفاتها، كما أن هناك أهمية كبرى لوضع خطة تنفيذ رئيسية، وخُطط بديلة، تكون ملائمة لأي طارئ أو حادث قد ينشأ بمرور الزمن، أخيرًا وليس آخرًا، إن الاهتمام بالكفاءات الوطنية وتطويرها، وتعزيز قدراتها العملية والعلمية والمهارية، يُعد حجر الأساس لنجاح أي شراكة، فيقيني تجاوز الصفر نزولاً، بأنه لا يمكن لحكومة ما أو لمنظمة حكومية أو خاصة أن تبني شراكاتها الاستراتيجية الدولية من دون الاعتماد على أبنائها وكفاءاتها الوطنية.