يطغى على الذهن - دوماً - الجانب البيئي، وذلك حين التفكير في أهمية وجود المسطحات أو الفضاءات الخضراء والمائية في المدينة، من حدائق عامة وشواطئ مفتوحة تطل عليها المدن الساحلية، لا سيما حين تكون الأجواء مشحونة بتداعيات التغير المناخي وآثاره السلبية، في حين أن أهمية تلك الفضاءات على الصحة العامة لا تحظى بذلك الحيز الكبير من التفكير في هذا الجانب، على الرغم من أن منظمة الصحة العالمية توصي في هذا الشأن بأن يكون متاحاً لكل بيت سهولة الوصول إلى المسطحات الخضراء، وذلك في نطاق لا يتجاوز في بعده الثلاث مئة متر، وألا تقل مساحة تلك الفضاءات الخضراء عن الخمسة آلاف متر مربع كحد أدنى. من أحدث الدراسات في هذا المجال هي الدراسة التقييمية عن تأثير هذا الجانب على صحة الإنسان في عينة دراسة شملت ألفاً من المدن الأوروبية، عنوان الدراسة هو: (Green space and mortality in European cities: a health impact assessment)، نشرت هذه الدراسة في شهر أكتوبر الماضي، وجاءت لتؤكد أن الوصول للفضاءات الخضراء في المدينة يسهم في إطالة العمر التقديري للإنسان الذي يعيش بها، وخفض نسبة الوفاة المبكرة بين سكانها. حيث تبين للدراسة أن ما يصل إلى ثلاثة وأربعين ألف حالة وفاة مبكرة كل عام في عينة الدراسة كان يمكن تفاديها لو أمكن تحقيق توصية منظمة الصحة العالمية فيما يتعلق بقرب السكن من المناطق الخضراء وسهولة الوصول إليها. فقد وجدت الدراسة أن نسبة (62 %) من سكان المدن التي شملتها الدراسة يعيشون في مناطق لا تتحقق فيها ما توصي به منظمة الصحة العالمية في هذا المجال وبالذات في الأحياء الفقيرة من تلك المدن. خبراء الصحة العامة يؤكدون أيضاً على أهمية المسطحات المائية في المدينة، تلك الفضاءات الزرقاء التي تتمثل بالنسبة لنا فيما تحظى به مدننا الساحلية من شواطئ وواجهات بحرية، حيث يشير أولئك الخبراء على أن مجرد السير على ضفاف الشواطئ والسواحل البحرية يعطى ذات الفائدة الصحية التي تعطيها رياضة السباحة في تلك الشواطئ، خلاف تأثير تلك المسطحات المائية أو الفضاءات الزرقاء على الصحة الذهنية للإنسان وعلى نشاطه البدني وتقليل السمنة وأمراض القلب، بل وعلى صحته العامة بصورة أشمل. هذا هو حال المدن الأوروبية التي ترتفع نسبة المناطق الخضراء بدولها، فما حال مدننا؟! لكن مما لا يزال يذكي الأمل والتطلع إلى الأفضل في هذا الجانب، هما مبادرتا الرياض والسعودية الخضراء.