للمكتبات مع أصحابها قصصٌ ومواقف وأيضاً طرائف وأشجان تستحق أن تروى، "الرياض" تزور مكتبات مجموعة من المثقفين، تستحث ذاكرة البدايات، وتتبع شغف جمع أثمن الممتلكات، ومراحل تكوين المكتبات.. في هذا الحوار الكُتبي نستضيف الكاتب الصحافي محمد الرويلي، الذي تحتوي مكتبته على العديد من الكتب المتنوعة في مجال الأدب والتاريخ والأَعلام والسير، والروايات العربية والعالمية المترجمة، كما تضم المكتبة عددا من الصحف والمجلات القديمة ومن أقدمها مجلة "المجالس" وغيرها الكثير. * في أيِّ مرحلة تعرَّفتَ على الكتاب؟ * تعرفت على الكتاب منذ سن مبكرة جداً خلال مرحلتي الدراسية الأولية، وعندما كُنّا معاً أنا وشقيقي الأكبر لافي في السّيارة التي يقودها والدنا - غفر الله له - وناولنا الكتاب الرّائج بين أهالي «نَزْلَ الصّنَادِق» شرق الرياض. كان ذلك في صائفة 1404ه في تلك المنطقة الصحراوية المجاورة لمدارس الأبناء بخشم العان، إذ أغلبية سُكّانه من الفِرَقْ التابعة للحرس الوطني، كان الكتاب ديوان «أبطال من الصحراء» للشاعر الأمير محمد بن أحمد السديري -رحمه الله-، وحيث كُنّا - أنا وشقيقي - لا نُحسن القراءة بشكل جيّد إذ لم نتجاوز دراستنا الأولية بعد، كان الوالد، يُكمل أبيات القصائد من ذاكرته المخزونة بالشّعر والقصص والتي يحفظها ويرويها غالبية قاطني الصحراء سابقاً. رغم أُمّيتهمَا، حرص والدانا - جزاهما الله عنا خير الجزاء - على تعليمنا وإعطائنا جُرعات تناسب أعمارنا من الوعي الفكري والمعرفي، تمثل بشيء من السّرد القصصي والحَكايات والشّعر والأساطير الشعبية، ما أَسهم في رفد ذاكرتنا المخبوءة، الموسُومة بمحدودية الأُفق، وِفقَ المُتاح وإمكانيات الأسرة. في وقت «الآن» لا يعرف زمنه جيداً وقد سمعت بين أَهلْ الصّنادِقْ أنّ مطرد العياط «عنده كُتب ويُراسِل الجاسر وابن عبار؟! ويكتب في الجرائد». بعد انتقال غالبية أفراد السُكّان «لإسكان الحرس الوطني» انتقلت الأسرة إلى حي النّسيم 1407 ه. دخلتُ «مكتبة النسيم» وفيها أعتقد أني رأيتُ، وتعرفتُ، ولأوّل مرّة على الكتب والمطبوعات طبعاً - عدا الكتب المدرسية - وشدّ انتباهي الألوان الزّاهية والرُّسومات في «قصص الأطفال» لم يَمضِ زمنٌ طويلٌ وجاء العام 1413ه. وإذ بأحد المستأجرين يحُلُّ في الدّور الأرضي فيما كانت أسرتنا في الطابق العلوي، وسرعان ما عرف «الشقيقان» أنَّ جَارَهُما «شاعر» ينشرُ قصائدهُ في مجلات وصحف محلية وخليجية.. وضَلّيت رَهينًا مُنذ ذلك اليوم إلى اللحظة الآنية للشاعر «سعود فرحان العزلي» وتنعّمت عددا من المرات بمرافقته إلى شارع النخيل، إذ كان «الخياطون» يقومون إضافة لتفصيل الثياب بتأجير التلفون الأرضي، ويحتسبون ثمن المكالمات بضبط زمن ساعاتهم اليدوية، وهذا ما كان يحتاج إليه سعود قبل وصول خدمة الهاتف الأرضي لمنزله! وفيما كنت استمعت وأتنعم بهذه الصحبة كان على الطرف الآخر «المحرر» يُدوّن أبيات القصيدة لنشرها في الصفحة الشعبية». وقبلَ أن نفترِق، وتشد «أسرتنا إلى الشّمال «صوير/الجوف» بعد إحالة والدي إلى التقاعد. أَدْرَكتُ بغريزة غرّة، أنْ أعرِضَ إحدى تجاربي الشّعرية الناضجة، اخترتها مما «أظن» ظُلماً وعدوانا على الشّعر والشعراء أنها القصيدة العصماء، الفرعاء، الوضيئة، العيطبول، إذ كنت واثقاً -حينها- تمام الثقة بجودة هذا المنتج الشّعري حسبت أن المجلات الشعبية وحدها: «اقرأ، اليمامة، اليقظة، المجالس، ومجلة أهلاً وسهلاً التي كان يجلبها معه من المطار» قد عزّزتْ انطلاقته، وأنها قد صَقلتهُ وأنضجتهُ، ويا لها من تجربته مزعومة!. إلا أنّهُ مؤخراً جَمعنا مجلس استعدنا فيه بعضَ القصَص والذّكريات العاصِمِيّة. استدرك متندراً: «هناك الكثير من الشُّعرَاء، اليومْ أنتَ كاتب صحافي». * هل تستطيع تحديد بدايات تأسيس مكتبتك المنزليَّة؟ * بدايات تأسيس وجمع المكتبة للأسف لا يحضرني زمنه بشكل دقيق، لتسرب طليعية جمعه وإن ظلّ محدودا لكن ما يَحضُرني، أما المجلدات والكتب فكان كتاب ابن عبدربه «العقد الفريد» و»الكامل في اللغة والأدب» و»البيان والتبيين» و»السّيرة النبويّة» لابن هشام من بدايات تأسيس المكتبة، كذلك من أوّل الكتب ديوان الشاعر سليمان الفليح «الغناء في صحراء الألم» و»لافتات» أحمد مطر، وديوان نزار قباني «قصائد متوحشة». وأثناء دراستي في «كلية إعداد المعلمين» في الجوف 1418ه اشتريت مجموعات أخرى من الكتب متنوعة في مجال الأدب والتاريخ والأَعلام والسير، والروايات العالمية المترجمة. بعد ذلك توالت زياراتي لمعارض الكتاب وبعض الأندية الأدبية، لا أعرف إن كان من غريب القول أو نافلته أن أقول إنّ مكتبتي - المتواضعة - افتتحت هذا العام ربما تكون آخر مكتبة بين مكتبات ضيوفكم التي تستعرضون تجارب أصحابها «في صفحتكم العريقة» المهتمة بتاريخ المكتبات ومحتواها الثّري. * ماذا عن معارض الكتب، ودورها في إثراء مكتبتك؟ * تتابعت لاحقًا زياراتي كلما أتيحت الفرص، وزرت في عدد من الدورات «معرض الرياض الدولي للكتاب» وعدد من الأندية الأدبية منها: «الرياض، تبوك، أبها، الأحساء، الطائف، الباحة، الحدود الشمالية، إضافة لنادينا العريق في منطقة الجوف» وجميعها زودتني بعدد وافر من إصداراتها الأدبية ومطبوعاتها الجديدة، ولها ولرؤسائها وجميع القائمين عليها الشكر ووافر الامتنان. الحقيقة إنّ معارض الكتب والأندية الأدبية لعبت دوراً ضليعاً ومهماً في خدمة المثقفين والأدباء السعوديين على وجه التحديد لما شهدته منصاتها وفعالياتها الثقافية وبرامج نشرها من حراك وإسهامات في توفير الإصدارات والكتب العربية والعالمية وقدمت الفرص والتجارب للكثيرين من المثقفين طوال المرحلة. * ما أبرز المنعطفات التي رافقت نموَّ مكتبتك الشخصية؟ * جائحة كورونا وإن كانت هي آخر المنعطفات، ذلك بأنه حين حل البلاء بالعالم تغيرت ممارسات غالبية من الخلق، وكنت أحدهم، كورونا أجبرتنا على مُلازمة منازلنا وكانت الدافع والمخلص من تخليصي من بعثرة كتبي، وإن ظلّت في السنوات الأخيرة تنمو ببطء نتيجة مزاحمة مكتبتي الإلكترونية لها، لكن هذا الفراغ الوقتي دفعني لترتيب الكتب الورقية المُوزّعة في غُرف الأبناء ومجالس الأسرة، فقررت جمعها هذا العام. أعتقد هذا أبرز المنعطفات أما خلال ذلك فانضمامي للعمل الصحافي بملحق الثقافة بصحيفة الجزيرة، ومتابعتي للعديد مما ينشره الزملاء في الأقسام الأدبية والمجلات الثقافية، ربما كان هذا أيضاً أسهم في تشكيل نوع من الذائقة الأدبية، وكذلك متابعاتي عبر برنامج «الواتساب» لملتقيات متخصصة مثل «ملتقى القصة القصيرة» و»الرواية العربية» و»حقول المعرفة» و»صالون خيال الثقافي» وأخرى يشترك فيها نخب من الكتاب والمبدعين إضافة لمتابعات عدد من المهتمين بالمعرفة الفكرية والمعرفية والإصدارات والكتب تجذبني أحاديثهم المفعمة بالمعرفة والعلوم والروايات الشيّقة في حساباتهم في شبكات التواصل، ومنهم: د. إبراهيم التركي ود. ميساء خواجا ود. شيمة الشمري وأ. متعب القرني، وآخرين لا تسع المساحة حصرهم فليعذروني. * هل تحتفظ في مكتبتك بمخطوطات والكتب القديمة والنَّادرة؟ * للأسف لا، وقد يكون سبب ذلك انتفاء حاجتي أو اهتمامي بها في الوقت الرّاهن، ربما لم تحن لحظة الاهتمام بعد. الإنسان يتقدم كلما احتاج شيئا - وأعتقد - بأنّه سيمضي نحوه ساعياً وسيصله، الشيء الذي متأكد منه أنّي ما أزال بحاجة للقراءة أكثر خصوصاً في مجالات أدبية لم تبَلّ ذائقتي - القصيرة المتأخرة - بعد وتروي من القراءة فيها، كالكتب النقدية والروايات العالمية والعربية أيضا ودواوين الشعر وكتب الإعلام والأَعلام والسير والفلسفة والكتب المهتمة بالأديان والتاريخ الإنساني. * هل لديك شيءٌ من الصُّحف والمجلات القديمة؟ * ربما يساورني نوع من الخجل لتكرار الإجابة بلا؛ لكن الحقيقة أنه لا توجد لديّ صحف ومجلات قديمة، أعتقد أن مجلة «المجالس» الكويتية هي أقدمها. * هل يوجد في مكتبتك كتب بتوقيع مؤلفيها؟ * نعم، وقد خصصت جزءاً بعد توصية قرأتها في صفحتكم الأثيرية المهتمة بالمكتبات، حيث كان حديث ضيفكم د. إبراهيم التركي يلفت لهذا الجانب بعد أن توسعت مكتبته وصعب أو لم يحن إعادة ترتيبها مجددًا ما جعلني أتنبه - خصوصاً وهي الوليدة - فخصصت رُكناً لكتب توقيعات الكُتّاب والأصدقاء، سواء ممن جمعني بهم معارض الكتب أو أنشطة الأندية الأدبية أو ممن تفضل أصحابها بإرسالها. اليوم تزخر مكتبتي بإصدارات غنية ومتنوعة من نتاجهم الزّاخر وبهذه السانحة أجدد لهم الشكر والعرفان عبر منبركم العريق لكل من تفضل عليّ بتوقيعه، وأتذكر: أستاذنا الأديب د. عبدالرحمن الشبيلي - رحمه الله -، الشاعر الكويتي خليفة الوقيان، معالي د. عبدالعزيز خوجة، الناقد د. منير فوزي، الناقدة د. إيمان الحازمي، د. سعد الثقفي، الناشر والكاتب محمد المنصور، الأديب الأستاذ حمد القاضي، والأديب الأستاذ محمد القشعمي، والقاص هاني الحجي وآخرين وليعذرني الكثير. * ما أطرف العناوين في مكتبك؟ وهل طرافة الكتاب أو طرافة موضوعه من معايير النفاسة؟ * قد تكون الطرافة أسلوباً جاذباً خصوصاً إذا ما كان الكاتب يمتلك الحِس الكوميدي ولا يدعيه في قلمه، شخصياً أميل لقراءة هذا النوع وقد وجدتها أولاً في زاوية الكاتب جعفر عباس صاحب كتاب «زوايا منفرجة وأخرى حادة» وأيضاً في كتب «الولد الشقي» محمود السعدني «مسافر على الرصيف، حمار من الشرق». * هل يستفيد أبناؤك من مكتبتك في إعداد بحوثهم؟ * لم أودّ أن أرغم أحداً من أبنائي على دخولها، علينا أن نكون قدوة لا آمرين، حينها سنجد أثارهم تدل عليهم، وسيجدون بعض ما يُتطلّب منهم أو يطلبونه ونعينهم على ما يحتاجونه، وربما هم مكتفون حالياً بما يقومون به من البحث الإلكتروني لتلبية متطلبات دراستهم أو بحوثهم. * ماذا تُفضل المكتبة الورقية أو الرقمية؟ وما السبب؟ * حاليًا أصبحت أميل إلى الكتاب الإلكتروني، بعد مقاومة عنيفة في البداية لاستخدامه، قد تكون هناك بعض الاعتبارات دعت لذلك منها: سهولة وجود وتحميل الكتب، ندرة إقامة معارض للكتاب في منطقة الجوف، وقد كان للجامعة سانحة في أحد الأعوام نتمنى أن تتواصل، اليوم تضم مكتبتي الإلكترونية «820» كتابا. * هل مكتبتك متخصصة أو متنوعة؟ * أستطيع القول عنها إنها متنوعة نوعاً ما أكثر منها متخصصة. * ما رسالتُك التي توجِّهها لكلِّ من يملك مكتبة خاصَّة به؟ * ربما الرسالة ما حدث - قبل فترة - من تعطّل للتقنية الرقمية، وانقطاع طال شبكات التواصل بين عوالم الواتسابيين والفيسبوكيين، فذلك العطل الذي طال شبكات ووسائل التواصل الاجتماعي يجعلنا صدقاً نعيدُ حساباتنا ونُعنى أكثر بالكتاب الورقي أولاً، ومكتباتنا التي تعد مستقرا ومتكأ لعقولنا ورغبتنا القرائية متى احتجنا ذلك.. نعم نواكب التقنية والعصر ونتماهى مع وسائله وشبكاته ونوافذه الرقمية وعالمه الافتراضي، لكن افترض يا صديقي أنّ ذلك يحدث مجدداً وطال. محمد الرويلي كتاب «نساء للوطن» مها الوابل كتاب «فقه السنة» العام 1984م ديوان «البحتري» كتاب «الكامل في اللغة والأدب» ديوان «أبطال من الصحراء» كتاب «البيان والتبيين» ديوان «الغناء في صحراء الألم» للفليح ديوان «الأعمال الشعرية» نصوص أدبية «بك أكتفي» كتاب «رجال في الشمس» العام 1963م ديوان «لحن بأصابع مبتورة» من إصدارات الضيف