إن مهن الغد ستكون أكثر اختلافًا وعددًا من اليوم، وربما يضطر الفرد إلى تغيير مهنته عدة مرات خلال حياته العملية، إننا نعد أولادنا لمهن ربما لا يجدونها في المستقبل بل ستكون هناك مهن أخرى جديدة. قد يختار كثير من الناس مهنهم نتيجة لرغبات طارئة، أو تحت ضغوط الوالدين والأصدقاء، دون أن ينظر الفرد إلى ما تحتاجه هذه المهن من قدرات، واستعدادات، وصفات مختلفة، لابد من توفرها لنجاحه في مهنته المستقبلية، كما أن الإنسان لا يختار مهنته نتيجة لعامل واحد، أو دافع واحد، بل نتيجة تفاعل عوامل ودوافع كثيرة تؤثر في هذا الاختيار وتتحكم فيه. وفي غيبة خدمات الإرشاد المهني التي يجب أن تتوفر في المؤسسات الأكاديمية والتعليمية وكذلك مقرات العمل، يجد الكثير ممن هم في عالم المهنة اليوم أنهم في وظائف لا تناسبهم، ولو أتيح لهؤلاء فرصة إعادة الاختيار المهني لاختاروا مهناً غير مهنهم، وهذه مأساة حقًا حيث يقضي الفرد حياته في مهنة لا تناسبه ولا يرضى عنها، وهذا يؤثر في الإنتاج، ويؤدي إلى خسارته على المستوى الشخصي والاجتماعي. ويعد قرار الفرد بخصوص مهنة المستقبل وما يواجهه من صعوبات معقدة، هي حصيلة التفاعل بين الخبرات التربوية، والبيئة الأسرية، والمجتمع، ويفترض في طالبي العمل أن يكونوا على دراية بمعظم أنواع المهن المتاحة في مجتمعاتهم ومستوياتها المختلفة، وتقع المسؤولية في إتاحة الفرص الكافية للطلاب على النظام التربوي والإرشاد النفسي بالتعاون مع الموارد البشرية، على استكشاف عالم المهن، بحيث تكون هذه الخبرات الاستكشافية متسقة ومتوافقة مع الفرص المهنية المتاحة حاليًا في المجتمع، لكي يحدث التوافق بين الفرد وبيئته، وباستكشافها يكتشف طالبو العمل ميولهم المهنية وقيمهم الشخصية التي يمتلكونها، ويصبحون قادرين على وضع أهداف أكثر واقعية، ويعملون على تحقيقها في مراحل لاحقة. لذا يعد قرار الفرد في اتخاذ مهنة المستقبل من أهم الأولويات وأخطرها في حياته، فهذا القرار دائمًا ما يحدد نمط حياته والذي يجب أن يكون منسجمًا مع صورته عن ذاته وموقعه بين أفراد مجتمعه، ومن هنا يعد الإرشاد المهني مهمًا في اتخاذ القرار المهني السليم فيما يخص المهنة التي يطمح أن يشتغل بها مستقبلاً. إن الحاجة الماسة للإرشاد المهني تقوم على أساس تنوع الفروق الفردية في القدرات والاستعدادات والميول والتقدم العملي والتقني الذي يشهده عصرنا الحاضر مما زاد عدد المهن وأنواع التخصصات وفرص العمل بشكل كبير. وباعتقادي أنه لازالت المعاناة مستمرة لدى لطلاب في ضعف القدرة على اتخاذ القرارات المناسبة المتعلقة بنوع الدراسة أو المهنة التي تتلاءم مع قدراتهم وميولهم، وذواتهم وقيمهم الشخصية، إضافة تدني فرص العمل وتدخل الآباء والبيئة المحيطة في تكوين اتجاهات سلبية عن بعض المهن، مما يعيق القرار المهني الملائم. * متخصص في الإرشاد النفسي، جامعة الإمام