تشاطر المملكة دول العالم التحديات البيئية المتنامية بسبب تسارع وتيرة الأنشطة الصناعية والزراعية والعمرانية، والزيادة السكانية المطردة، حيث سعت بكل عزم للحد من مسببات التغير المناخي، والوفاء بتعهداتها حيال المعايير والاتفاقيات الدولية في هذا الخصوص وفي مقدمتها اتفاق باريس للتغير المناخي. وفي هذا السياق جاء تأكيد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- خلال رئاسة المملكة لمجموعة العشرين العام الماضي، على "تشجع إطار الاقتصاد الدائري للكربون الذي يمكن من خلاله إدارة الانبعاثات بنحو شامل ومتكامل بهدف تخفيف حدة آثار التحديات المناخية، وجعل أنظمة الطاقة أنظف وأكثر استدامة، وتعزيز أمن واستقرار أسواق الطاقة". ومثلت هذه الرؤية مرتكزاً للاستراتيجيات السعودية بعيدة المدى التي تتعامل مع تحديات المناخ، وفي الوقت نفسه تستهدف تسريع وتيرة العمل لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، من خلال تعزيز التعاون مع الشركاء وأصحاب المصلحة والفاعلين في المشهد البيئي العالمي، وصولاً إلى التعافي التام من آثار جائحة كورونا. وللحفاظ على جذوة الزخم الذي أحدثته قمة العشرين الأخيرة، لا سيما فيما يتعلق بالقضايا المتعلقة بالمناخ والتنمية المستدامة، تستضيف العاصمة الرياض في الفترة ما بين 23 إلى 25 أكتوبر 2021، حدثاً عالمياً يتمثل في تدشين النُسخة الأولى ل"منتدى مبادرة السعودية الخضراء" و"قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر"، وهما المبادرتان اللتان أطلقهما ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان أواخر مارس الماضي، وحظيتا بتفاعل عالمي واسع النطاق. هذا الحدث العالمي البارز الذي دعي له عدد من رؤساء الدول والمسؤولين الحكوميين، إضافة إلى الرؤساء التنفيذيين لكبرى الشركات العالمية، ورؤساء المنظمات الدولية والأكاديميين والمختصين في المجال البيئي ومؤسسات المجتمع المدني، يأتي تتويجاً للمساعي السعودية الرامية لإحداث تأثير عالمي يتسم بالديمومة في التصدي لظاهرة التغيّر المناخي وحماية الأرض والطبيعة، والإسهام بشكل قوي وفاعل في تحقيق المستهدفات العالمية بما يسهم في مكافحة الأزمات المرتبطة بالمناخ. ونحن في البنك الاسلامي للتنمية تتوافق جهودنا مع تلك التوجهات بشأن قضايا المناخ حيث قمنا بالعديد من المساهمات في البلدان الأعضاء، ففي عام 2019 جمع البنك مليار يورو من الصكوك الخضراء. بالإضافة إلى جمع 2.5 مليار دولار أميركي في عام 2021 من صكوك الاستدامة، حيث يتم ضخ هذه الأموال في البنية التحتية الخضراء والمرنة لا سيما في الطاقة المتجددة والزراعة المقاومة للتغيرات المناخية والقطاعات الحضرية والمياه والنقل. وبحلول عام 2025 سيكون البنك قد وجه على الأقل 35 ٪ من عملياته لتمويل المشروعات المستدامة. كما يعمل البنك بشكل وثيق مع شركاء التنمية والبنوك الإنمائية متعددة الأطراف من أجل وضع إطار للتمويل ينسجم مع اتفاقية باريس، ويؤمن البنك بأن إيجاد حلول مبتكرة ومستدامة لأعظم تحديات التنمية في العالم يكمن في التعاون الجماعي والتنسيق بين القطاعين العام والخاص والمبتكرين ورجال الأعمال. ويشمل هذا التعاون والتنسيق المبادرات الهادفة لمعالجة تغير المناخ، وتأثيرها السلبي على حياة العديد من الناس في بلداننا الأعضاء. وبالنظر إلى الصلة الوثيقة بين التنمية المستدامة والأمن والسلم الدوليين، رفعت المملكة اهتمامها بقضية المناخ إلى مستوى "الأمن القومي"، لإدراكها أن السلام والاستقرار في عالم اليوم يعتمدان على التنمية المستدامة وزيادة المرونة في مواجهة الصدمات المرتبطة بالاحتباس الحراري. إن العلاقة الطردية بين التنمية المستدامة والأمن القومي واضحة للعيان، حيث يؤدي التدهور البيئي وتغير المناخ إلى وقوع النزاعات المسلحة والتي تؤثر بدورها على الأمن والسلم العالمي. لذلك، فإن التركيز على التنمية المستدامة الشاملة يمكن أن يساعد الدول ذات الهشاشة على التحول إلى دول مزدهرة وآمنة. إن من الصعب حصر جميع المشروعات والمبادرات المتعلقة بالبيئة والمناخ التي قامت بها المملكة، لكن يمكن الإشارة، على سبيل المثال، إلى أن الجهود السعودية أسهمت في تنمية المحميات الوطنية الطبيعية من 4 % إلى أكثر من 14 %، وزيادة مساحة الغطاء النباتي في المملكة بنسبة 40 % لمواجهة التصحر. كذلك من الجهود الوطنية المبذولة في هذا الإطار، إطلاق المملكة للبرنامج الوطني لكفاءة الطاقة في العام 2012، مستبقة بذلك اتفاقية باريس للتغير المناخي التي تم إقرارها في العام 2016. إن إيمان المملكة العميق بقضية المناخ وحماية البيئة يستند على مرجعيات دينية ووطنية وإنسانية، فيما تستصحب معها مسؤولية العالمية، ولذلك تبنت مقاربة زاوجت بين المحافظة على البيئة وصونها وبين تحقيق التنمية المستدامة، وبإطلاقها منتدى "مبادرة السعودية الخضراء" و"قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر"، فإنها تبرز كقوة مبادرة في العمل المناخي على مستوى العالم جسدتها مقولة ولي العهد الشهيرة: "بصفتنا منتجاً عالمياً رائداً للنفط، ندرك تماماً نصيبنا من المسؤولية في دفع عجلة مكافحة أزمة المناخ، وأنه مثل دورنا الريادي في استقرار أسواق الطاقة خلال عصر النفط والغاز، فإننا سنعمل لقيادة الحقبة الخضراء القادمة". ويأتي هذا الزخم العالمي منسجماً مع دور المملكة الريادي في الحفاظ على المناخ ودعم جهود المجتمع الدولي في مواجهة التحديات الرئيسة المرتبطة بالبيئة، ومتوافقاً مع رؤية 2030 التي التزمت بتحقيق التنمية المستدامة من خلال وضع الاستراتيجيات بعيدة المدى لإنجاز الخطط التنموية الشاملة والانطلاق نحو مستقبل مشرق مستدام يلبي الطموحات المرجوة. صفوة القول: إن مبادرتا ولي العهد اللتين حظيتا بتأييد عالمي من قبل الدول والمنظمات الدولية، تمثلان منصة حيوية لتنسيق العمل المشترك وتأسيس تحالفات إقليمية ودولية، والمشاركة في الخبرات والمعارف. كما تقدمان رسائل واضحة للمجتمع الدولي مفادها أن التغير المناخي قضية عالمية بالغة الأهمية، حاضرة بقوة على طاولة الحكومة السعودية. ونحن كمنظمة دولية نبارك وندعم هذه التوجهات ونساهم في تحقيق المستهدفات العالمية بشأن المناخ من خلال انخراطنا التام في الشراكات والتحالفات العالمية والإقليمية في هذا الخصوص. *رئيس مجموعة البنك الإسلامي للتنمية