يظل التعليم ركناً أصيلاً ورمزاً من رموز تقدم الأمم وحضارتها، وبناء مستقبلها ومجدها، وهو نتاج وحصاد ما يتم غرسه في عقول النشء عبر الزمن، حيث أطل التقدم التقني والتكنولوجي الحديثان برأسيمها في أنظمة التعليم العالمية، وتعددت التجارب واختلفت مع اختلاف الثقافات والمعارف والعلوم الحديثة في سباق تكنولوجي عالمي محموم وكبير مبهر ليعد أحد أبرز الإنجازات البشرية في القرن الأخير. لم تعد اليوم إشكالية فك رموز اللغة وحساب الأرقام على قائمة أولوية التعليم بل تعدى ذلك إلى اكتساب المهارات واللغات المختلفة، ليست اللغات المنطوقة فحسب بل اللغات البرمجية المختلفة ولغات الآلة التي أسهمت في دخول الآلة والذكاء الاصطناعي إلى كثير من مناحي الحياة الحديثة. مرّ التعليم في بلادنا بمراحل مختلفة حيث دُعم بشكل كبير، وأسهم بشكل فعال في خلق بيئة تعليمية فعالة ومنهجية واضحة، صنعت الجامعات والكليات والمعاهد من المراحل الأولية إلى الدراسات العليا، واليوم أصبح المواطن يتعلم بكل يسر وسهولة في كل مكان من أرجاء المملكة. وتعد مشكلة تمويل التعليم ذي الكلفة المتزايدة يوماً بعد يوم أحد أبرز التحديات التي تواجهها أنظمة التعليم في كثير من بلدان العالم، وهذا ما يضع بدوره صناعة نظام تعليمي مميز بحاجة إلى مزيد من الاستثمارات والحاجة إلى وجود عوائد مادية كبيرة، تساهم في استمرار العملية التعليمة مع رفع الكفاءة وزيادة الإنتاجية وخلق اقتصاد مستدام، إذ خطت بعض الجامعات لدينا في هذا الجانب خطوة إلى الأمام من خلال فرض رسوم على بعض البرامج خصوصاً الدراسات العليا، حيث كان التعليم خلال العقود الماضية يحظى بدعم حكومي كبير وليست المشكلة في الحصول على مصادر تمويل ولكن الإشكالية تكمن في إعادة تدوير الأموال والاستفادة بشكل فعال منها، ومراجعة الرسوم بشكل دوري يتواكب مع المستجدات، فالتكاليف العالية سوف تساهم في تراجع أعداد الدراسين، مما يترتب عليه أعباء أخرى على الجامعات نفسها، فهي مطالبة بدفع الرواتب لأعضاء هيئة التدريس ومن تحتاج إليهم سواء من منتسبيها أو من خارجها، وهي مرونة تتطلبها المرحلة. إن الاستفادة من الدعم الحكومي الحالي للجامعات السعودية وكذلك الأوقاف والتبرعات لبناء مصادر مختلفة للتمويل الدراسات والأبحاث العلمية مهم جداً من خلال رسم منهجية اقتصادية واضحة، والتي ستكون تلك الجامعات مرهونة لها في المستقبل القريب. إن بناء قدرات مالية جيدة وتعزيزها أمر في غاية الأهمية لاستمرار العملية التعليمية من ناحية، ولبناء أجيال لديها القدرة على التعلم والابتكار وتطوير المنتجات لخلق مجتمع متطور ومنتج من ناحية أخرى. إن من الأهمية بمكان في عالم اليوم أن تعمل الجامعات السعودية على خلق فرصة استثمارية أولاً، والاستفادة من الموارد المالية المتاحة لديها من كفاءة بشرية واقتصادية وإدارية، إذ تعد الجامعات معقلاً لأبرز العقول البشرية وأفضلها. تملك الجامعات العديد من المرافق والأوقاف، وكذلك لديها القدرة على الاستفادة من الدعم الحكومي الذي يقدم لها من خلال إعادة هيكلتها واستثمار نفسها مجدداً من خلال القنوات الاستثمارية المختلفة من أبحاث وابتكارات بشكل عملي وفعال، لعل أبرزها في اعتقادي الدخول في مجال تشغيل مدارس خاصة بها مثلاً في مراحل التعليم العام، لبناء جيل في مراحل مبكرة يفهم الاحتياجات المستقبلية للدراسات الجامعية في مناطق المملكة المختلفة، والاستفادة من كوادرها التعليمية وزيادة مداخيلها في عملية تدوير الأموال، فمدارس التعليم العام تدر أرباحاً كبيرة لملاكها، وكذلك هناك حاجة إلى كيانات تعليمية كبيرة تضمن سلاسل من مدارس في مراحل التعليم العام لتصبح ماركة تعليمية مسجلة تنطلق إلى دول الجوار والعالم، وهي تعد أيضاً من المجالات الواعدة لخلق فرص عمل للشباب والشابات، والاستفادة من الخبرات التعليمية من الأساتذة والمحاضرين والعاملين بها، وتأهيل الكوادر الوطنية في مجال التعليم لبناء اقتصاد تعليمي مستدام يحقق أهداف رؤية المملكة 2030.