احتضنت العاصمة (الرياض) على مدى يومين خلال الفترة 28-29 من شهر يوليو الماضي فعاليات المنتدى السعودي الأول للثورة الصناعية الرابعة، الذي نظمته مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية (كاكست) بالتعاون مع المنتدى الاقتصاد العالمي (World Economic Forum -WEF )، بحضور ومشاركة نخبة من المتحدثين والخبراء المحليين والدوليين في مجال الصناعة والابتكار والتقنيات الحديثة. ناقش المنتدى على مدى اليومين العديد من القضايا المرتبطة بمستقبل تقنيات النقل العام وبناء منظومة للرعاية الصحية القادرة على الصمود في وجه الأزمات، بما في ذلك التحولات للطاقة النظيفة وبناء المدن والمساكن الذكية ومستقبل التمويل واستعادة النظام البيئي. خرج المنتدى بالعديد من التوصيات الهامة المرتبطة بالمحاور التي طُرحت للنقاش، حيث على سبيل المثال لا الحصر، في مجال التحولات للطاقة النظيفة، أوضح سمو وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان في سياق كلمته التي ألقاها أمام المنتدى، أن استخدام الطاقة المتجددة مثل: طاقة الرياح والطاقة الشمسية، سيحد من انبعاثات الاحتباس الحراري، وسيزيد من كفاءة الطاقة وسيحفز على تطوير مصادر وقود جديدة مثل الهيدروجين "الأزرق" و"الأخضر". كما وأكد سموه على التزام المملكة بوضع إطار عمل للاقتصاد الكربوني الدائري للحد من غازات الاحتباس الحراري من خلال احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه وهو أحد الطرق الفعالة لإزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي. في حين أكد بقية الوزراء والمسؤولين السعوديين المشاركين بالمنتدى على اهتمام المملكة بتطبيق أحدث التقنيات الصناعية الحديثة والمتطورة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي في إنجاز العديد من الأعمال والمهام المرتبطة بإدارة المدن الحديثة (الذكية) المعتمدة على الذكاء الاصطناعي و"إنترنت الأشياء" ووسائل الاتصال والنقل فائقة السرعة، ورقمنة الخدمات، وتوحيد البيانات المركزية. هذا بالإضافة إلى تطبيق الاستراتيجيات المرتبطة بتطوير منظومة الأمن الغذائي، واستدامة الموارد الطبيعة المعتمدة على استخدام الهندسة الحيوية والتقنيات المتقدمة للطاقة المتجددة. قد يتساءل البعض عن مدى ارتباط المملكة العربية السعودية بتقنيات حديثة ومتطورة رفيعة المستوى كتقنيات الثورة الصناعية الرابعة، التي لا يزال بعضها محل التجارب والأبحاث العلمية، وبالذات فيما يتعلق بالجوانب المرتبطة بالجدوى الاقتصادية (التكلفة مقارنة بالمنافع)، وكذلك إشكالية التخوف من انتشار البطالة بسبب توظيف التقنيات الحديثة للقيام بمهام بشرية، حيث يقدر اقتصاديون أن أتمتمة الصناعة سوف تتسبب في تقليص فرص العمل بنحو 50%، وسيفقد الملايين من البشر وظائفهم في المستقبل بسبب استخدام الروبوتات في القيام بتنفيذ أصعب المهام البشرية. إن الرد على هذا التساؤل في غاية البساطة، بالذات حين النظر بتعمق في مستهدفات رؤية المملكة الطموحة 2030 المرتبطة بالسعي الحثيث والدؤوب لأن تكون المملكة خلال السنوات القليلة القادمة تحتل موقعاً مميزاً ومتقدماً بين مصاف الدول المتقدمة في استخدام التكنولوجيا الصناعية المتطورة التي تنسجم مع الثورة الصناعية الرابعة. وما يؤكد على ذلك إطلاق المملكة لبرنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية "ندلب" في عام 2019، الذي يهدف إلى تحويل المملكة إلى قوة صناعية رائدة ومنصة لوجستية عالمية عبر تعظيم القيمة المتحققة من قطاعي التعدين والطاقة من خلال توظيف تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة. كما أن المملكة قد بَرعت في توظيف الذكاء الاصطناعي خلال جائحة فيروس كورونا المستجد لتقديم العديد من البرامج والتطبيقات الذكية التي شملتها التدابير الاحترازية للتعامل مع الجائحة سواء كان ذلك على مستوى المنظومة الصحية، كتطبيق "توكلنا" وتطبيق "تباعد" أم على مستوى تقنية الاتصالات المرئية اللاسلكية، مثل منصة "بروق" للاتصال المرئي الآمن للتمكين من عقد الاجتماعات عالية الأهمية عن بعد، مثل اجتماعات مجلس الوزراء واجتماعات مجلس الشورى واجتماعات قمة دول العشرين التي عُقدت بالمملكة خلال شهر نوفمبر الماضي. أخيراً وليس آخراً، يأتي تدشين المركز السعودي للثورة الصناعية الرابعة في السعودية بالتعاون ما بين كاكست والمنتدى الاقتصادي العالمي، كمركز فكر تنفيذي يسعى لتعزيز تطوير وتطبيق التقنيات الناشئة لصالح المجتمع السعودي، لخير دليل على اهتمام المملكة وتركيزها على توظيف تقنيات الثورة الصناعية الرابعة لصالح الداخل والخارج معاً. ولعله من المهم جداً لفت الانتباه إلى أنه على الرغم من جائحة كورونا واستخدامات العديد من تقنيات الثورة الصناعية الرابعة وتطبيقاتها في المملكة، إلا أن المملكة تَمكنت من خفض معدل البطالة إلى 12.6% خلال الربع الأول من العام الجاري ليعود المعدل إلى مستويات ما قبل الجائحة في عام 2016.