على جميع أبناء المملكة أن يُدركوا إدراكاً يقينياً بأنهم قادمون من حضارة إنسانية يمتد تاريخها لآلاف السنين استطاعت خلالها أن تُساهم بالارتقاء بمستوى الإنسان والإنسانية في جميع المجالات الفكرية والأدبية والعلمية والإعلامية، وتمكنت خلالها أن ترتقي بمستوى الإنسان والإنسانية أخلاقياً وسلوكياً وعقلياً "أدرجت لجنة التراث العالمي اليوم خمسة مواقع ثقافية، من بينها موقع عابر للحدود الوطنية في قائمة اليونسكو للتراث العالمي، والمواقع موجودة في المملكة العربية السعودية والنمسا وبلجيكا وتشيكيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية، وذلك إبّان الدورة الرابعة والأربعين المنعقدة عبر الإنترنت والتي تُدار أعمالها من مدينة فوزهو بالصين. وقد أُدرجت المواقع التالية اليوم: (1) المملكة العربية السعودية، منطقة حمى الثقافية: تقع حمى في منطقة جبلية قاحلة في جنوب غرب المملكة العربية السعودية، وعلى أحد أقدم طرق القوافل القديمة التي كانت تعبر شبه الجزيرة العربية، وتتضمن منطقة حمى الثقافية مجموعة كبيرة من الصور المنقوشة على الصخور التي تصوِّر الصيد والحيوانات والنباتات وأساليب الحياة لثقافة امتدت على 7 آلاف عام دون انقطاع. وكان المسافرون والجيوش، الذين يحلُّون في المكان، على مرِّ العصور وحتى وقت متأخر من القرن العشرين، يتركون خلفهم الكثير من الكتابات والنقوش على الصخور التي بقي معظمها محفوظاً على حاله. وتأتي الكتابات على الصخور بعدة خطوط منها خط المسند والآرامي-النبطي والكتابة العربية الجنوبية والخط الثمودي والكتابة اليونانية والعربية. كما أنَّ هذا الموقع والمنطقة المحيطة به يذخران بآثار لم يجرِ التنقيب عنها بعد، وهي تتكون من أرجام وهياكل حجرية ومدافن وأدوات حجرية مبعثرة وآبار قديمة. ويقع هذا الموقع في أقدم محطة معروفة لتقاضي الرسوم وهي كائنة على أحد الطرق المهمة القديمة للقوافل، حيث توجد بئر حمى التي يرجع تاريخها إلى 3 آلاف عام مضى على الأقل، والتي لا تزال تعطي المياه العذبة حتى الآن". جاء هذا الخبر بالموقع الرسمي لمنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" في 24 يوليو 2021م. فإذا أضفنا إلى ذلك الخبر تصريح الأمير بدر بن فرحان، وزير الثقافة رئيس مجلس إدارة هيئة التراث رئيس اللجنة الوطنية للتربية والعلوم والثقافة، الذي أوردته واس في 24 يوليو 2021م، وجاء فيه قوله: بتسجيل "منطقة حمى الثقافية" بنجران، اليوم خلال اجتماعات الدورة الرابعة والأربعين للجنة التراث العالمي المنعقدة في مدينة فوزهو في جمهورية الصين الشعبية، تكون المملكة قد نجحت في تسجيل سادس موقع سعودي في هذه القائمة العالمية الرفيعة، إلى جانب المواقع الخمسة المسجلة سابقاً وهي: موقع الحِجر المدرج في قائمة التراث العالمي عام 1429ه/ 2008م، ثم حي الطريف بالدرعية التاريخية عام 1431ه/ 2010م، ثم جدة التاريخية عام 1435ه/ 2014م، فمواقع الفنون الصخرية بمنطقة حائل عام 1436ه/ يوليو 2015م، ثم واحة الأحساء في شوال 1439 ه/ يونيو 2018م"، فإننا ندرك تماماً المكانة التاريخية العظيمة التي تتمتع بها المملكة بما تملكه من تراث انساني عريق، ومستوى ثقافي أصيل، ومكانة حضارية متقدمة بين الأمم والحضارات. نعم، إنه الواقع الذي يعرفه أبناء المملكة على مر التاريخ، وتشهد بذلك مؤسسات وهيئات وقيادات ورموز الثقافات والحضارات الأخرى بمختلف توجهاتها الفكرية والثقافية والدينية والعرقية. فإذا كانت هذه هي المملكة بِعظمة وعُمق تراثها وثقافتها، وعراقة وأصالة تاريخها وحضارتها، فإنه من الأولى أن ينعكس ذلك على مستوى طرحنا الفكري والثقافي والأدبي والعلمي والإعلامي؛ فهل انعكس ذلك فِعلاً وارتقى مستوانا إلى مستوى ومكانة المملكة بتاريخها وثقافتها وحضارتها العظيمة التي تمثلها؟ وهل انعكس ذلك على سلوكنا وممارستنا وأدائنا للأدوار التاريخية العظيمة التي ورثناها؟ قد تكون الإجابة بالسلب أو بالإيجاب عن تلك التساؤلات فيها نوع من عدم الدقة لاعتبارات علمية وتاريخية عديدة، ولكن الذي يمكن الاسترشاد به للحصول على إجابات عامة هو الواقع المشاهد الذي نعيشه في وقتنا الحاضر خاصة وأن وسائل المعرفة والاطلاع أصبحت مُتعددة ومُتوفرة، والرأي العام أصبح أكثر وعياً بما يملك من مقدرة على القراءة والوصول للمعلومة مما جعله قادراً على عقد المقارنات البسيطة من الواقع الذي يعيشه ويشاهده يومياً. فماذا يقول هذه الواقع؟ إن واقعنا المشاهد اليوم يشهد بأن مستوى طرحنا الفكري والثقافي والعلمي والأدبي والإعلامي لا يرتقي بأي حال من الأحوال للمكانة التاريخية العظيمة التي تمثلها المملكة بما تملكه من تراث إنساني عريق ساهم في تطوير أسلوب وممارسة الحياة الإنسانية، وبما تمثله من عمق ثقافي وحضاري أصيل ساهم مساهمة مباشرة في تنوير العقول، وتقدم العلوم، وتهذيب السلوك، وتنمية المجتمعات البشرية، وبما وصلت إليه اليوم من مكانة عالمية سياسياً واقتصادياً ومادياً وأمنياً. نعم، إن من يشاهد مستوى طرحنا الفكري والثقافي والأدبي والإعلامي اليوم يعتقد بأننا مجتمع حديث في نشأته حيث لا تراث يُعبر عن تاريخنا المجيد، ولا ثقافة وحضارة أصيلة نستند لها ونستشهد بها في طرحنا، ولا عمق فكري وأدبي وعلمي يُقنع أبناء الثقافات الأخرى بمدى إنسانية وأخلاقية وسمو منزلة قيمنا ومبادئنا العربية والإسلامية الأصيلة. وفي الختام من الأهمية القول بأن على جميع أبناء المملكة أن يُدركوا إدراكاً يقينياً بأنهم قادمون من حضارة إنسانية يمتد تاريخها لآلاف السنين استطاعت خلالها أن تُساهم بالارتقاء بمستوى الإنسان والإنسانية في جميع المجالات الفكرية والأدبية والعلمية والإعلامية، وتمكنت خلالها أن ترتقي بمستوى الإنسان والإنسانية أخلاقياً وسلوكياً وعقلياً، مما يجعلهم مطالبين بالارتقاء في طرحهم وفكرهم بما يتناسب أو يتقارب مع تاريخهم المجيد ومكانة دولتهم العظيمة. نعم، إن أبناء المملكة قادرون على أن يكونوا عظماء كما كان أجدادهم، وقادرون على أن يكونوا رواداً في مجالاتهم كما كان أجدادهم، وقادرون على تمثيل دولتهم ومجتمعهم وثقافتهم بالشكل والأسلوب الذي يعبر عن مكانة دولتهم المتقدمة وتطلع قادتهم الكرام.