بعد أزمة منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) ثم ما تبعها من اتفاق بين الأعضاء، يبقى التساؤل مفتوحاً حول مستقبل السوق الدولي الأشهر للطاقة ومدى قدرة المنظمة على ضبط سوق الطاقة الدولية وتحديداً أسعار النفط. فوفقاً للنظام الأساسي لمنظمة أوبك التي نشأت العام 1960م تتمثل المهمة الأساسيَّة لها في تنسيق وتوحيد السياسات البتروليَّة للدول الأعضاء مع تحقيق الضمان لاستقرار أسواق النفط. وبذلك؛ تعمل القرارات المُتخذة داخل هذه المنظمة على تأمين الإمدادات بصورة ثابتة ومنتظمة للدول المستهلكة مع ضمان تحقيق عائدات مربحة للدول المنتجة. وعلى الرغم من ذلك عانت أسواق الطاقة على مرِّ العقود السابقة من تقلبات في أسعار النفط أثَّرت بشكل أو آخر على الدول المنتجة والمستهلكة على حدٍ سواء، وما لا شكَّ فيه أنَّ المملكة العربيَّة السعوديَّة وطاقتها الكامنة في امتلاك ثاني أكبر احتياطي نفطي بالعالم بعد فنزويلا بنسبة تبلغ 22.4 % من الاحتياطي العالمي وتفوُّقها على الأخيرة بالإنتاج مكَّناها من ممارسة دور القيادة والحكمة داخل منظمة أوبك كقائد أساسي في ضبط السوق الدولية للطاقة سواء بالسلب أو الإيجاب. فعلى سبيل المثال، وبعد الاجتياح العراقي للكويت وحرب الخليج الثانية العام 1991م ارتفعت أسعار النفط بنسبة فاقت ال110 % نتيجة الحرب وتوقف الإنتاج والإمداد الكويتي والعراقي، لتقوم السعودية حينها بتعويض النقص الدولي وزيادة إنتاجها بنسبة 29 % لسد العجز الحاصل آنذاك، وفي مثال آخر ليس ببعيد زادت المملكة إنتاجها العام 2011 ليفوق حاجز ال9 ملايين برميل بعدما كان 8.3 ملايين برميل في اليوم الواحد، وذلك لمواجهة العجز العالمي البالغ 1.3 مليون برميل يومياً في إمدادات النفط بعد بدء الحرب الليبية. لم تقتصر آليات الضبط السعودية لأسواق الطاقة في جانبها الإيجابي المتمثل في زيادة الإنتاج وحسب، بل كانت هناك بعض الحالات الأخرى التي عملت فيها المملكة على تقليص حصتها وإنتاجها للنفط لضمان تحقيق توازن سعري ومنع انخفاض العائدات النفطيَّة، ولعلَّ أبرزها تلك التي خفَّضت فيها المملكة إنتاجها للنفط بمقدار 8 % لتعود وترفع من سعر البرميل بعد انخفاض فاق ال70 % من سعره عقب الأزمة الاقتصاديَّة العالميَّة العام 2008. وكذلك عندما خفَّضت المملكة إنتاجها طوعياً بمقدار مليون برميل يومياً بدءاً من بداية شهر فبراير الماضي بهدف دعم اقتصاد المملكة وزملائها من الدول المصدِّرة للنفط. قد لا يتسع المقام هنا لسرد المواقف التي لعبت فيها السعودية دوراً مهماً في الحفاظ على أسعار النفط وضمان إمدادات الطاقة ووصولها للعالم، لكن بعرض هذه الأمثلة المُقتضبة يمكن القول: إنَّ المملكة لعبت ومازالت تلعب دور صمَّام الأمان في التحكم في أسعار النفط العالمية بما يضمن حقوق الدول المنتجة في الحصول على عائدات مربحة أولاً، وكذلك في ضمان وصول النفط بشكل منتظم وبأسعار مقبولة إلى الدول المُستهلكة ثانياً. ففي الوقت الذي تقود فيه المملكة الدول لخفض إنتاجها من النفط يتم تعويض الفارق المُحتفظ من النفط في باطن الأرض من خلال فارق السعر وبذلك تضمن حق الدول المنتجة بالاحتفاظ بالمزيد من النفط إضافةً لعائد مادي عادل. إن دور السعوديَّة كقائد في عملية ضبط أسعار الطاقة لم يأت من خلال ممارسة أساليب ملتوية، بل نبع من الحكمة القائمة على المعلومات والإحصاءات التي تقدمها الأجهزة ومراكز الدراسات حول حجم السوق ومدى احتياجاته، ولعلَّ خير مثال على ذلك شركة أرامكو وما توفره أجهزتها البحثيَّة من معلومات وإحصاءات دقيقة عن السوق. ولذلك يمكن القول: على السوق الدوليّة أجمع من مصدّرين ومستهلكين الوثوق بالقيادة السعودية وقراراتها في ضبط السوق الدوليّة لما تستند إليه من خبرة ومعلومات وإحصاءات مهمة قادرة على تقييم السوق بشكل دقيق، وكذلك نأمل من الجهات المعنية في المملكة رفع سقف الدعم وتمويل المراكز البحثية بشكل عام والمعنية بالقطاع النفطي بشكل خاص لما تحققه من نفع مهم في ضبط سوق الطاقة، فالثورة الحقيقية التي نعيشها اليوم هي ثورة المعلومات والتي بدونها لن نستطيع الوصول إلى القرارات الصحيحة خصوصاً أنَّ أوبك ليست كمجلس الأمن الذي يمتلك صفة الإلزام في فرض القرارات تحت الفصل السابع، بل إنَّ أوبك والمشاورات التي تديرها السعودية سواء داخلها أو خارجها تعتمد على الموافقة الجماعية للأطراف مع ترك ضمان التزام الأطراف بالقرارات المتخذة للدول نفسها، ففي حال لم تلتزم الأطراف بالاتفاقيات المعقودة فالضرر سيعود على جميع الدول المُنتجة أجمع نتيجة الزيادة في المعروض وانخفاض أسعار النفط إلى ما دون تكلفة الإنتاج.