* في البدء حدثنا عن ماهية استراتيجية المسرح التي وضعتموها مؤخراً؟ * الاستراتيجية هي رؤية ومستهدفات وخطة عمل ومؤشرات أداء، وهي خارطة طريق لبناء قطاع حيوي يكون جزءاً من الحياة الثقافية للمواطنين السعوديين ويسهم في تقديم الثقافة السعودية للعالم، كما يسهم في التنمية الاقتصادية، وذلك بالعمل من خلال سلسلة القيمة والتي تبدأ من صناعة المحتوى وتتضمن بناء القدرات البشرية وتمكينها من تطوير خيالها الإبداعي إلى مادة يمكن تقديمها للجمهور، ثم الإنتاج ويعني زيادة عدد العروض المتاحة للجمهور ورفع جودتها، يلي ذلك العرض والنشر ويعني تحقيق إمكانية الوصول لعروض القطاع لكافة شرائح المجتمع في جميع المناطق، ثم التوعية بقطاع المسرح والفنون الأدائية على المستويين المحلي والدولي، وأخيراً تطوير التلقي وتعزيز مستوى إقبال الجمهور بالحرص على تجربة المستهلك في مختلف مناطق ومحافظات المملكة. المسرحيون القدماء على الخارطة وليسوا من الذكريات * هذا يعني أن مهمة هيئة المسرح تنظيمي وتشريعي؟ * صحيح، كذلك الهيئة مهمتها تتجاوز في دورها التنظيمي والتشريعي، فهي تقوم بدور التمكين والتحفيز بدءاً من التدريب والتعليم في مختلف تخصصات المسرح والفنون الأدائية، ومروراً بتطوير البيئة التنظيمية باقتراح الأنظمة والتشريعات التي تساعد على قيام صناعة مستدامة، ثم تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في القطاع، وتطوير القطاع الثالث بإقامة الجمعيات التخصصية، وتطوير أداء الفرق المسرحية وفرق العروض الأدائية لتتحول من الهواية إلى الاحتراف، وتفعيل التبادل الثقافي مع دول العالم باستضافة العروض وتصدير العروض السعودية، وانتهاء بتطوير تجربة المستهلك في مسارح وأماكن أداء عروض قريبة منه وتحترم حقه في تقديم محتوى راق يتناسب مع ذائقته في مكان لائق. سنقدم دعماً مادياً للفرق المسرحية وفق الشروط * كيف سيكون مستقبل المسرح السعودي في ظل هذه الاستراتيجية؟ * لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان كلمة تقول (دائماً ما تبدأ قصص النجاح برؤية، وأنجح الرؤى هي التي تبنى على مكامن القوة) ومن المؤكد أن مكامن القوة التي نملكها في بلادنا تعطينا الفرصة لأن يكون المسرح السعودي حاضراً بقوة في داخل المملكة وخارجها، فنحن لا تنقصنا القدرات البشرية المبدعة، ولا المحتوى الثري المستمد من ثقافتنا وتاريخنا بما ينتج من قصص ملهمة على المستوى الإنساني، والأهم أنه لا تنقصنا الإرادة القوية لتحقيق النجاح والتفوق والتي كانت رؤية المملكة 2030 نبراساً لها. * من هم الشركاء الذين ساهموا بوضع الاستراتيجية لنجاحها؟ * الممارسون السعوديون في المسرح والفنون الأدائية كانوا هم الشركاء الأساسيون حيث عقدنا عدة ورش عمل وحلقات نقاش معهم استطلعنا فيها آراءهم وتطلعاتهم، كما أشركنا عدداً من الخبراء الدوليين في حلقات نقاش منفصلة، وعدداً آخر قاموا بمراجعة المسودات الأولى للاستراتيجية، كما تم عقد مقارنات مع تجارب دولية مختلفة لأسواق متقدمة وأسواق ناشئة، وفي نفس الوقت تمت المواءمة مع زملائنا في الهيئات الأخرى وإدارات الوزارة في المنظومة الثقافية لتحديد التقاطعات ونقاط الالتقاء والعمل المشترك، وقبل ذلك تم إجراء استطلاع للرأي العام عبر عينة واسعة ممثلة للشرائح العمرية والثقافية والاجتماعية والتوزيع الجغرافي للمملكة، وبالتالي توصلنا لتحديد المستهدفات وتم وضع المبادرات والمشاريع ومعايير الأداء التي سيتم قياسها ومراجعتها بشكل دوري. كما توصلنا إلى تحديد دور الهيئة بصفتها الممكن والمحفز والمنظم للقطاع، وعليه فإن إدارات الهيئة اتخذت التسميات والمهام التالية : تطوير البيئة التنظيمية، تطوير القدرات، تطوير تجربة الجمهور، وتطوير الأعمال. * ما أبرز التحديات التي تواجهونها لإعادة المسرح الاجتماعي الجماهيري للواجهة؟ * نحن نعتبر كل العناصر الواردة في سلسلة القيمة تحديات يجب التعامل معها بنفس القدر من الجدية، وقد تم رصد هذه التحديات وتم تصميم المبادرات والبرامج لمواجهتها ومعالجة ما يمكن أن يعيق انطلاقة القطاع إلى الآفاق الجديدة، فعلى سبيل المثال سنواجه نقص المسارح المناسبة لإقامة العروض بعقد شراكات مع ملاك المسارح من الجهات الحكومية الخاصة لتشغيل المسارح بعد أن نقوم بتطويرها لتتناسب مع العروض المستهدفة، وسنواجه نقص النصوص بتشجيع الكتاب على الكتابة للمسرح وتطوير قدراتهم بالتدريب المتقدم وعقد ورش الكتابة، كما سنواجه نقص الكوادر المناسبة بالتدريب المكثف الذي بدأت برامجه بالفعل، بما يستهدف تدريب 800 متدرب ومتدربة في هذا العام فقط، إضافة إلى إنشاء أكاديمية المسرح التي نعمل على أن تبدأ برامجها مع بداية العام المقبل، وسنواجه ضعف وصول العروض إلى المناطق بتشجيع إقامتها في مختلف المحافظات وتقديم الدعم للفرق المسرحية، كما أن ضعف البيئة التنظيمية للفرق المسرحية جعلنا نخصص مبادرات خاصة لتطوير أوضاعها إلى فرق احترافية عبر حاضنات أعمال ستعمل في هذا الاتجاه. * المسرح السعودي كائن موجود منذ أكثر من "60" عاماً، هل كان يحتاج إلى استراتيجية؟ * المسرح بالتأكيد كان قائماً خلال الستة أو السبعة عقود الماضية، لكنه كان قائماً على جهود فردية أو مبادرات دعم لا تنتظمها رؤية واضحة لتحقيق الاستدامة، لذلك نرى أن العروض كانت تأتي على فترات متقطعة، أو أنها عروض تقدم لجمهور محدود معظمهم من الشغوفين، دون ارتباط بالجمهور العريض، وفي التوزيع الجغرافي لم تكن كل المناطق تحظى بنفس الدرجة من النشاط. لذا تأتي الاستراتيجية لبناء القطاع بشكل متكامل العناصر وبنشاط منتظم من القطاع الخاص والقطاع الثالث وبدعم من القطاع العام الذي تمثله هيئة المسرح وفنون الأداء، والاستراتيجية تعني تحقيق تكامل العناصر البشرية والمادية والممكنات من الأنظمة والمحفزات التي تجعل الذهاب إلى المسرح عادة ثقافية لدى الجمهور العريض. * الملاحظ أن الاستراتيجية، تتمحور حول النظريات والشكليات دون الفعل والجوهر؟ * هذا افتراض استباقي سيثبت الواقع أنه غير صحيح. فاستراتيجية الهيئة كما شرحت سابقاً نتج عنها مبادرات ومشاريع بدأت ترى النور بعد أن تم الاعتماد النهائي لها ورصدت ميزانياتها حسب البرنامج الذي تم وضعه والذي يعنى بمبادرات وضع الركائز الأساسية حتى عام 2023، ثم تنمية القطاع من عام 2024 وحتى 2027 وفي المرحلة الأخيرة نهدف لتوسيع القطاع ورفع مستوى نضجه من العام 2028 وحتى العام 2030. وفي كل مرحلة وضعت مشاريع ومبادرات تناسبها بما يحقق المستهدفات، ولكل مبادرة أو مشروع تم وضع جداول زمنية ومؤشرات أداء. * من الواضح أن استراتيجية المسرح تريد البدء بالمسرح السعودي من الصفر، فهل يعني ذلك أن تاريخ وأعمال المسرح السابقة، سيتم وضعها بالأرشيف؟ * غير صحيح، فتاريخ المسرح السعودي هو القاعدة التي انطلقت منها الإستراتيجية فمع أهمية بناء قاعدة بيانات وأرشيف لتاريخ المسرح السعودي وهو ما نعمل عليه بالفعل بتخصيص إدارة متخصصة وذلك إضافة لجهد وزارة الثقافة في بناء الأرشيف الثقافي الوطني، فإن بعض الأعمال التاريخية المتميزة ستكون قابلة لإعادة الإنتاج بما يحترم تاريخها وتاريخ مؤلفيها. * ما الذي تنتظره هيئة المسرح لكي يرى الجمهور السعودي مسرحه الاجتماعي؟ * الآن بدأنا بالفعل في تطبيق برامج ومبادرات استراتيجية الهيئة بالإعلان عن الحزمة الأولى من البرامج التدريبية، وقد سبق هذا مع نهاية العام الماضي الإعلان عن قبول حوالي 103 طلاب وطالبات لدراسة المسرح والفنون الأدائية ضمن برامج الابتعاث الثقافي في عدد من أبرز الجامعات العالمية، ومع تخفيف الإجراءات الاحترازية التي فرضتها جائحة كورونا، سنشهد خلال الأسابيع القليلة القادمة سلسلة من العروض المسرحية في عدد من مناطق المملكة، كما يجري العمل على تنفيذ عدد من المهرجانات للفنون الأدائية. ولعل من أهم البرامج التي ستنفذها الهيئة بالتعاون مع وزارة التعليم هو مبادرة المسرح المدرسي التي ستنطلق مع نهاية هذا العام بإذن الله وتستهدف تدريب 25 ألف معلم ومعلمة من مدارس التعليم العام ليكونوا مشرفين مسرحيين، ويأتي هذا من القناعة أن المسرح هو أداة تربوية في المقام الأول، كما أن الوعي بأهمية المسرح يبدأ من المدرسة وفي السنوات المبكرة. * المسرح الاجتماعي الجماهيري غاب كثيراً عن الجمهور، متى سيظهر بثوبه الجديد وبهويته السعودية؟ * الحزمة الأولى من المسرحيات التي دعمتها الهيئة هي في هذا الاتجاه، لقد طلبنا من المسرحيين تقديم أعمال جاهزة للإنتاج واشترطنا في النصوص والرؤية الإخراجية أن تكون أعمالاً موجهة للجمهور وأن تكون قادرة على الصمود في شباك التذاكر لمدة أسبوع على الأقل، وقد قدمنا لهم دعماً مالياً وإنتاجياً بما يحقق عنصر الجذب للمشاهدين، وسيكون هناك دعم يهدف إلى تشجيع القطاع الخاص والفرق المسرحية وذلك بالالتزام بتقديم قيمة مماثلة لما يتم التبرع به، بمعنى إذا الفرقة المسرحية تلقت دعماً من راعٍ مبلغ وقدره، هيئه المسرح ستقدم للفرقة مبلغاً مالياً يماثل المبلغ الذي تحصلت عليه من الراعي، يعني؛ ريال مقابل ريال، وهذا دعم خاص للفرقة التي تقدم مسرحية اجتماعية جماهيرية يدخل الجمهور للمسرح عن طريق الشباك. * ما ردكم على من يقول إن هيئة المسرح والفنون الأدائية همشت دور المنتج المسرحي المحلي، بينما تعطي الفرص للمنتج والشركات الأجنبية ليردوا بضاعتنا إلينا؟ * العكس هو الصحيح تماماً، فمع أن الهيئة لم تنتج أعمالاً خلال الفترة السابقة بسبب ظروف الجائحة، فإن الأسابيع القادمة ستشهد 9 عروض مسرحية سعودية في عدد من مناطق المملكة تمت الموافقة عليها مسبقاً، ويجري التحضير لمضاعفة عدد هذه العروض خلال الأشهر المتبقية من هذا العام. وهذا التوجه هو الأساس لكنه لا يجب أن يمنعنا من استضافة عروض عالمية وعربية متميزة تثري المشهد المسرحي بمختلف التجارب. * فيما مضى كان المسرح السعودي ضيفاً على بعض المهرجانات الخليجية والعربية كمشارك، متى يكون العكس أي متى يكون لدينا مهرجانات للكبار والأطفال ندعو فيها المسرحيين العرب؟ * هذا الأمر سيحدث قريباً بالتأكيد، ونحن في صدد ترتيب بيئة الإنتاج المحلية، لكننا في نفس الوقت بدأنا الاتصالات مع المنظمات العربية والدولية المتخصصة في المسرح، ونحضر حالياً لإقامة لقاء تشاوري لمسؤولي المسرح في دول مجلس التعاون، كما حضرنا لقاءات للهيئة العربية للمسرح، وبدأنا اتصالات لتوثيق العلاقة مع الهيئة الدولية للمسرح التابعة لمنظمة اليونسكو، كما سيشهد العام القادم تنظيم أول مهرجان دولي للمسرح في مدينة الرياض. * هناك فوضى في تصنيفات الممثلين في مجال المسرح، ما دور الهيئة في وضع ضوابط تنظيم العمل المسرحي، كما هو حاصل في بعض الدول التي لها نقابات تمثيلية؟ * مسألة التصنيف للممارسين هو دور يجب أن تقوم به الجمعية المهنية، وستعمل الهيئة على تمكين الجمعية حين قيامها على ممارسة هذا الدور من خلال قواعد واضحة يتم الاتفاق عليها واعتمادها، لكن هناك تصنيفات أخرى لمستوى العروض حسب حجم الإنتاج والجمهور المستهدف معتمدة لدى لجنة الفعاليات الوطنية، كما ستعمل الهيئة على وضع تصنيفات لأماكن العرض والمسارح. * السؤال الأخير: هل المسرحيون القدماء الذين عملوا باجتهادات فردية وحققوا جوائز، سيكونون ضمن خارطة المسرح السعودي الجديد، أم أنهم سيكونون مجرد ذكريات؟ * بالتأكيد هم موجودون في خارطة المسرح وليسوا ذكريات، لأنهم مازالوا قادرين على الإنتاج والإبداع، فالإستراتيجية لا تستثني أحداً، لكنها تهتم بالتأكيد على اكتشاف وصناعة المواهب والنجوم. الزميل مشعل الرشيد في حوار مع الأستاذ سلطان البازعي سنعمل على وضع تصنيفات أماكن العروض