أسفرت القمة التي جمعت الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين عن أمرين واضحين، وهما أنه من المؤكد تقريباً أن روسيا سوف تختبر مدى حسم بايدن بشأن الهجمات السيبرانية، وأن الرئيس الأميركي ربما يجد من الصعب فرض خطه الأحمر الذي أكد عليه لنظيره الروسي. وذكرت اليزا سيبينيوس المتخصصة في تغطية شؤون الأمن السيبراني، في تقرير نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء أن بايدن صرح في اجتماع عقد في جنيف الأربعاء الماضي، أنه قدم لبوتين قائمة تضم 16 قطاعاً حساساً لا ينبغي تعرضها للقرصنة حتى لا ترد الحكومة الأميركية على ذلك بقواتها السيبرانية. وفي حقيقة الأمر سعت الولاياتالمتحدة جاهدة في السابق لتحديد الطريقة التي يمكن من خلالها كبح جماح الهجمات السيبرانية من جانب خصومها، لكن الخبراء قالوا: إن ردع أي عدوان سيبراني لن يكون بالأمر السهل. وقال جيه طومسون، رجل الأعمال والمستشار في مجال الأمن السيبراني: إن بوتين ربما يحاول الإذعان لما طلبه بايدن عن طريق "غسل" القرصنة، أي شن هجمات من خلال "كيانات تابعة له في دول متفرقة" لزيادة صعوبة القدرة على تحديد هوية مرتكب الهجمات. وأضاف طومسون أن الوضع الراهن لن يطرأ عليه أي تغيير حتى "يفوق حافز الامتثال للخطوط التي رسمها بايدن حجم الفوائد التي يجنيها بوتين من تجاوز تلك الخطوط". وذكرت سيبينيوس أن موجة متسارعة من هجمات سيبرانية كبيرة مؤخراً، تم ربط بعضها بروسيا - كانت بمثابة اختبار باكر لبايدن. وقال الرئيس الأميركي وطاقم العاملين معه مراراً وتكراراً: إن التعامل مع قضية الأمن السيبراني يمثل أولوية ولكن تحديد كيفية القيام بذلك يعد مشكلة معقدة. ولدى الحكومة الروسية أطقم من القراصنة المحترفين الذين تم اتهامهم بشن هجمات لا حصر لها، بما في ذلك الهجمات على الحزب الديمقراطي قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، عندما كان بايدن نائبًا للرئيس، واختراق تسع وكالات اتحادية أميركية العام الماضي ونحو 100 شركة خاصة من خلال اختراق أنظمة شركة سولار ويندز ومقرها تكساس، وغيرها من الطرق. وتوفر روسيا أيضاً ملاذاً آمناً لمجموعات قرصنة إجرامية شنت هجمات مدمرة استهدفت شركات ومنظمات أميركية، وفقاً لمسؤولين أميركيين سابقين وخبراء في الأمن السيبراني. وقدمت الإدارات الأميركية السابقة لوائح اتهام ضد قراصنة في روسيا وغيرها من الدول الأعداء، كما فرضت عقوبات. بالإضافة إلى ذلك، نفذت القوات السيبرانية الأميركية عمليات سرية، حسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز. ولكن إذا كان هناك أي تغيير قد حدث، فهو أن الهجمات ازدادت سوءاً. وفي الشهرين الماضيين، تم تحميل عصابات إجرامية مرتبطة بروسيا المسؤولية عن هجمات قرصنة للمطالبة بفدية (رانسوم وير) ضد شركة كولونيال بايبلاين، مما تسبب في حدوث نقص في إمدادات الوقود على طول الساحل الشرقي للولايات المتحدة، وضد شركة "جي بي إس اس أيه" البرازيلية لمنتجات اللحوم، ما تسبب في اضطراب عمليات الشركة في الولاياتالمتحدة وكندا وأستراليا. وقال بيل إيفانينا الرئيس التنفيذي لمجموعة إيفانينا والمدير السابق للمركز الوطني للأمن ومكافحة التجسس: إن تصرفات بايدن كانت بمثابة إشارة لحلفاء الولاياتالمتحدة والقطاع الخاص، المختص بالكثير من البنية التحتية الحيوية في البلاد، بأن الولاياتالمتحدة تواجه تهديدات سيبرانية. وأضاف إيفانينا: "إن الرئيس بايدن بتحديده الخطوط السيبرانية، يتيح قيادة جيوسياسية لحلف شمال الأطلسي"ناتو"، والاتحاد الأوروبي والعالم". وتابع: "بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا يوجه أيضاً رسالة قوية للقطاع الخاص في الولاياتالمتحدة، الذي يعمل بجد وبمثابرة لدعم الدفاعات السيبرانية، مفادها بأنه ستكون هناك تداعيات في المستقبل إذا استمر بوتين في السماح بالهجمات السيبرانية الضارة في الولاياتالمتحدة، أو في الشركات الأميركية". وقالت سيبينيوس: إن القمة كانت فرصة كبيرة لإدارة بايدن لتحديد نهجها الخاص بالردع في الفضاء السيبراني، فقد قال بايدن في مؤتمر صحفي عقب القمة: "أوضحت ل بوتين أن لدينا قدرة سيبرانية هائلة، وهو يعلم ذلك". وأضاف "أنه لا يعرف بالضبط ما هذه القدرة، لكنها هائلة. وفي حقيقة الأمر فإنهم إذا انتهكوا هذه الأعراف الأساسية، فإننا سوف نرد". وقال جيم لويس وهو أحد كبار نواب رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأميركي: إنه عندما تقوم روسيا بعملية اختبار لهذه الخطوط الحمراء في نهاية المطاف، سيكون من المهم بالنسبة للولايات المتحدة استخدام التدابير السيبرانية "المتناسبة والمتسقة مع القانون الدولي". وأضاف أن التناسب أمر مهم لحشد الدعم الدولي للإجراءات الأميركية في الفضاء السيبراني ولضمان عدم قيام الكرملين بتصعيد هجمات القرصنة، متابعاً أن "هدف روسيا يتمثل في تجنب وقوع صدام عسكري". وقال مايكل دانييل الذي يقود منظمة مشاركة المعلومات الاستخباراتية بشأن التهديدات، وتحالف التهديدات السيبرانية، والمنسق السابق للأمن السيبراني في البيت الأبيض في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما: إن تحذير بايدن لبوتين رسخ "أساساً لإجراءات مستقبلية للتصدي لأي نشاط ترعاه روسيا أو تسمح به". غير أنه أضاف: "كما هو الحال دائماً، سيكون التحدي الآن بالنسبة للولايات المتحدة هو دعم الرسالة التي وجهها الرئيس بايدن وذلك عندما يختبر الروس عزمنا حتماً".