لا تنحصر الحروب في شكلها التقليدي الذي يعتمد على الآلة العسكرية في التدمير، والإضرار بالمقدّرات وأي شكل حضاري مُكتسب، بل إنها حرب شرسة بشعة؛ تزداد تغوّلاً يوماً بعد يوم، ولعل من تعاسة هذا العصر أن انهارت كثير من قيم التسامح والتعايش في عصر كان يهجس فيه العالم بأكمله أن يتوحدّ بالعولمة ومكتسباتها ومنجزات البشرية التي تروم سعادته ورفاهه. ويعكس هذا الاستشراس للحرب أنّ ثمّة تراخياً وتواطؤاً من بعض الدول التي لا تعيش إلا بالاقتيات على الفوضى والتدمير المادي والمعنوي، وتشكّل آفة المخدرات إحدى أهم تلك الوسائل التي يهدف مروّجوها وناشروها في أصقاع العالم إلى تدمير العقل البشري وتغييبه لأهداف لا تخفى على أي متابع؛ أهداف توسعية عبر إنهاك الشعوب وضربها في أعز طاقاتها وثرواتها وهي "فئة الشباب" التي يُعوّل عليها قيادة بلدانها وبناء نهضتها. بالأمس في إنجاز غير مستغرب لرجال الجمارك تم إفشال محاولة تهريب خطيرة، حيث تمكنت الجمارك في ميناء جدة الإسلامي من إحباط محاولة تهريب كمية من حبوب الكبتاغون بلغت 1.323.000 حبة، عُثر عليها مُخبأةً داخل إرسالية وردت للجمرك. ووفقاً لوكيل الهيئة العامة للجمارك للشؤون الأمنية أنه "وردت للجمرك إرسالية "ملبوسات" عبارة عن "فراء" مشحونة من ميناء "إسكندرون" في تركيا، وعند خضوعها للإجراءات الجمركية والكشف عليها عبر أجهزة الفحص بالأشعة عُثر على تلك الكمية الكبيرة من حبوب الكبتاغون، كانت مُخبأةً بطريقة فنية داخل تجاويف "الفراء"، بحيث جرى إخفاء حبوب الكبتاغون داخلها ومن ثم إعادة حياكتها". وبفضل الله تم ضبط مستقبلي الكمية داخل المملكة في دلالة راسخة على أن بلادنا ماضية في إحكام الرقابة الجمركية على جميع الواردات والصادرات والمسافرين ومكافحة التهريب بجميع أشكاله. هذه الواقعة ليست الأولى التي تستهدف بلادنا خصوصاً من تركيا؛ ما يعني أن الاستعداء البغيض ومحاولات الإيذاء والتدمير للمقدرات وللمجتمع السعودي مستمرة، في ملمح يعكس ترسّخ العداء السافر وإن تعددت صوره وأشكاله. ما تقدم يؤكد أن نجاحات بلادنا وقفزاتها الحضارية والإنسانية والاقتصادية والسياسية مثيرة لحنق وعداء وحسد الدول التي في قلبها مرض؛ تلك الكيانات التي لا تقيم للمثل والقيم والتعايش أي قيمة؛ وتحاول أن تعوّض هذا التخلف والتراجع في مكانتها وموقعها الدولي بمثل هذه المناكفات التي تصل لحد العداء والاعتداء البغيضين، ما يوجب علينا مؤسسات ومجتمعاً مدنياً أن نكون لمثل هذه المحاولات بالمرصاد لنقطع الطريق أمام كل حاقد ومتربّص؛ متعاضدين مع قيادتنا وممتثلين لتوجيهاتها ورؤاها المتبصّرة التي تقودنا نحو المستقبل والحضارة بكل جمالية وقيادة قوامها الرُّشد والعقلانية، واضعة الإنسان والمكان في قلب اهتمامها.