على مدى أكثر من عام، استمر تعليق العديد من المنظمات والوكالات الدولية والأممية نسبة كبيرة من برامج المساعدات في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية الإرهابية المدعومة من إيران، وتراجع تفاعل المانحين الدوليين بسبب العراقيل التي تضعها، وإصرارها على نهب المعونات والمساعدات الطبية والغذائية وتحويل مسارها لخدمة المجهود الحربي، وحرمان الشعب اليمني منها "وسرقة الغذاء من أفواه الجياع" بحسب بيانات برنامج الأغذية التابع للأمم المتحدة. وبحلول عام 2018 أفصحت الأممالمتحدة وبرنامج الأغذية العالمية عن وجود فساد وتلاعب واسع في عملية توزيع المساعدات الإنسانية في مناطق سيطرة الميليشيا، ووصف مدير البرنامج الأممي الأمر بأنه "سرقة للطعام من أفواه الجياع". ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم، خاضت الأممالمتحدة والمنظمات الدولية والأممية محاولات عديدة لإقناع الحوثيين بوقف تدخلهم في العمليات الإنسانية والكف عن سرقة المعونات والمساعدات، والسماح بإصلاح عملية التوزيع وإيصال المساعدات للمحتاجين والمستحقين، عبر اعتماد نظام بصمة العين وإنشاء قاعدة بيانات تساعد على الحد من الاستيلاء على الأغذية الأممية من قبل قادة الانقلابيين والمشرفين الحوثيين والمنظمات المحلية التابعة لهم، لكن جميع تلك المحاولات من قبل الأممالمتحدة باءت بالفشل، ونتج عن ذلك تعليق برامج المساعدة الإنسانية من قبل العديد من المنظمات والهيئات والجهات المانحة. وخلال الأسابيع الماضية، عادت بعض الجهات الدولية والأممية، ومنها الولاياتالمتحدة الأميركية، واستأنفت عملها مجدداً من خلال الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، معلنة أنها بصدد تنفيذ برامج إنسانية وتوزيع معونات في صنعاء وبقية المناطق الواقعة تحت احتلال الحوثيين بحسب تصريح مبعوث الرئيس الأميركي الخاص إلى اليمن الجمعة الماضية. في حين قالت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية التي تعد ذراع العمليات الإنسانية للإدارة الأميركية: "عملية استئناف دعم المساعدات الإنسانية في المناطق المحتلة من قبل الحوثي، تتم بحذر، مع تطبيق معايير جديدة لضمان وصول الشركاء المحليين إلى المحتاجين". غير أن وزير الخارجية الأميركي، عاد ليؤكد مؤخراً أن الإرهابيين الحوثيين يواصلون تدخلهم في العمل الإنساني ويقومون بتحويل مسار المساعدات الإنسانية، داعياً قيادة الميليشيا إلى التوقف عن عرقلة وصول المعونات والمساعدات الإنسانية إلى المحتاجين. في حين قالت سارة تشارلز، المسؤولة في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، في ندوة عبر الانترنت ل"المجلس الأطلسي" للأبحاث: "تدخل الحوثيين في الإغاثة الإنسانية في مناطق سيطرتهم يعد الأكثر فظاعة". وقال مسؤولون في العمل الإنساني ل"الرياض" - طالبوا بعدم الإفصاح عن هوياتهم -: "الميليشيا رفضت بشكل قاطع الالتزام بالمعايير والآليات الجديدة التي حاولت وكالات الإغاثة الدولية والأممية تطبيقها في توزيع المساعدات الإنسانية والمعونات الغذائية بما يضمن وصولها إلى المحتاجين والمستحقين مع ضمان عدم تحويل مسارها لصالح المجهود الحربي في المناطق الواقعة تحت احتلال الحوثيين". وأكد مسؤول إغاثي بمحافظة ريمة، أن الميليشيا مستمرة في التحكم الكامل بالعمل الإنساني ونشاط المنظمات وهيئات الإغاثة الدولية والأممية، وفرض قانونها الخاص وتحديد أسماء المستهدفين والمحتاجين وإجبار فرق الإغاثة الدولية تخصيص نسبة من أموال المانحين الدوليين وتوزيعها كمبالغ مالية شهرية لأسر قتلاها الذين سقطوا في المعارك، إضافة إلى اعتماد سلّة غذائية لكل أسرة مقاتل في صفوفها، الأمر الذي يضاعف المعاناة الإنسانية في صنعاء وبقية المناطق الواقعة تحت احتلال الميليشيا. وأشار في تصريحه ل"الرياض" إلى بعض الوكالات الدولية من بينها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، حاولت تنفيذ معايير وآليات جديدة من شأنها إيصال وتوزيع المساعدات والمعونات الغذائية والدواء إلى المحتاجين والمستحقين والمتضررين من الحرب الانقلابية وضمان عدم استخدامها لأغراض حربية، لكن الميليشيا منعت ذلك، وفرضت قيوداً إضافية لعرقلة تطبيق تلك المعايير والآليات التي تهدف لإصلاح ومعالجة عملية التوزيع، وأصرت على فرض قائمة جديدة من الشركاء المحليين التابعين لها، بما يتيح لها الاستمرار في استغلال أموال المساعدات الإنسانية لصالح أعمالها الحربية. وأوضح أن الميليشيا شنت حملة إعلامية واسعة للتحريض على عُمال وموظفي الإغاثة، تتهمهم ب"التبشير والعمل لصالح الماسونية الغربية" ووجهت اتهامات للمنظمات الدولية والأممية بتوزيع مواد غذائية منتهية الصلاحية. كما أصدرت تعميم يخوّف السكان من استلام وتلقي أي مساعدات غذائية أو طبية مباشرة من هيئات الإغاثة الدولية العاملة في اليمن، لافتاً إلى أن توزيع المساعدات على السكان والمحتاجين بشكل مباشر من قبل الوكالات الدولية والأممية، يفقد الميليشيا ورقة تستخدمها للحصول على مقاتلين من خلال مقايضة المواطنين بالمشاركة في القتال مقابل الحصول على الغذاء. وفي الواقع يقول السكان والمواطنون: إن المساعدات الإنسانية لم تصل إلى المستحقين رغم سماعهم تصريحات وزارة الخارجية الأميركية التي قالت إن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية استأنفت برامج المساعدات وتوزيع المعونات في المناطق الواقعة تحت سيطرة الميليشيا التي استمرت تدخلاتها في التحكم بالأعمال الإنسانية. ويقول عُمال الإغاثة في المنظمات الأممية: إن الأساليب والآليات المعتمدة حالياً لتوزيع المساعدات في اليمن، عرضة للفساد وتخدم أهداف الميليشيات، في حين يؤكد مسؤول في الأممالمتحدة استمرار تحكم الحوثيين بتحديد وتسجيل أسماء المحتاجين في القرى من خلال ما يسمى بالمجالس المحلية وفي المدن من خلال لجان مجتمعية ليست محايدة. وأكد سكان محليون في محافظة حجة الواقعة تحت سيطرة الميليشيا "أن منح أو حجب المساعدات الغذائية يتم بتوجيه من قيادة الحوثيين، بناءً على شروط معينة مثل توفير مقاتلين من العائلات المسجلة لتلقي المساعدات. وفي هذا السياق كشف أحد السكان أن شيخ المنطقة يُكافأ بمبالغ تصل إلى 200 ألف ريال (250 دولارًا) مقابل كل شخص يتم إحضاره إلى جبهات القتال". وأشار مسؤول إغاثي دولي إلى أن العقبات التي تواجه المنظمات الإنسانية في توزيع المساعدات وتنفيذ الأعمال الإغاثية قد زادت بشكل كبير مع تشكيل الحوثيين هيئة جديدة باسم "المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية" التي تعد أحد الكيانات التي شكلتها الميليشيات للسيطرة على منظمات الإغاثة وإدارة عملية الإغاثة الدولية والأممية. ويترأس المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي أحمد حامد، وهو أيضًا مدير مكتب رئيس المجلس السياسي الحوثي الأعلى، وسبق أن وثق تقرير صادر عن فريق خبراء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن اليمن، الصادر في يناير 2021، التهديدات والتخويف ضد المنظمات الإنسانية الفاعلة من قبل حامد والأمين العام ل"المجلس الأعلى لتنسيق الشؤون الإنسانية" ويدعى عبدالمحسن الطاووس. وكشفت وثائق داخلية للأمم المتحدة في وقت سابق أن الميليشيا رفضت جهود المنظمة الدولية لتشديد الرقابة على نحو 370 مليون دولار كمساعدات سنوية من أجهزتها إلى المؤسسات اليمنية التي يسيطر عليها الانقلابيون في الغالب. وكان من المفترض أن تدفع الأموال رواتب وتكاليف إدارية أخرى، لكن الوثائق الأممية أكدت أن "المجلس الأعلى لتنسيق الشؤون الإنسانية" التابع للميليشيا، يتلقى حوالي مليون دولار كل ثلاثة أشهر من مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين، مقابل إيجار مكتب وتكاليف إدارية أخرى، بينما دفعت المنظمة الدولية للهجرة 200 ألف دولار أخرى مقابل الأثاث والخدمات الأخرى. ويشير الواقع على الأرض إلى استمرار تحكم الميليشيا بالعمليات الإنسانية وعمل المنظمات والوكالات الدولية العاملة في مجال الإغاثة باليمن، يعرض أموال المانحين الدوليين للخطر، خصوصاً في ظل عدم إصلاح آلية إيصال وتوزيع المساعدات بما يضمن وصولها إلى المحتاجين ويمنح تحويل مسارها لصالح المجهود الحربي للميليشيا.