في زيارة تاريخية هي الأولى من نوعها على مر التاريخ، قام البابا فرنسيس البالغ من العمر 84 سنة، والزعيم الروحي لنحو مليار وثلاث مئة مسيحي حول العالم بزيارة لدولة العراق، وكان هدف الزيارة كما هو معلن الصلاة من أجل السلام في هذا البلد العريق، والحديث عن وضع المسيحيين فيه والذين تناقصت نسبتهم حتى وصلت إلى ما يقارب من 1 % من نسبة السكان، حيث كان عدد المسيحيين في العراق حسب الإحصائيات 1.4 مليون خلال العشرين سنة الماضية ليصل إلى ربع مليون شخص اليوم، وكان هذا السبب وراء التقاء البابا بزعماء الطوائف الكاثوليكية في العراق حيث أكد على حق المسيحيين في العيش بسلام في هذا البلد أسوة بغيرهم من الطوائف العراقية. أما المحطة الثانية للبابا فقد زار منزل الزعيم الشيعي الأبرز في العراق وهو السيستاني البالغ من العمر 90 عاماً والمقل في الظهور الإعلامي في مدينة النجف، والذي أكد بدوره على حق المسيحيين في ذلك، ولعل اختيار التعامل مع مرجعية النجف الشيعية راجع لانفتاح هذه المرجعية مقارنة بمرجعية قم في إيران، فهذه المرجعية ترى أن دورها السياسي استشاري فقط، بخلاف مرجعية قم التي ترى أنها المعنية بإدارة إيران سياسيا. ثم كان توجه البابا إلى مدينة أور الأثرية العراقية لرمزيتها الدينية، تعتبر أور السومرية عاصمة السومريين عام 2100 قبل الميلاد. وهي تمثل أحد أقدم المواقع الحضارية على مستوى العالم. وتعتبر هذه المدينةمسقط رأس نبي الله إبراهيم، فقد صلى هناك مع مجموعة كبيرة من رجال الدين السنة والشيعة واليزيديين والصابئة، كانت رسالة البابا في هذا المكان: "نحن المؤمنين يجب ألا نسمح للإرهاب باختطاف الدين"، وكما شاهدنا فقد ركز البابا على معاناة الطائفتين المسيحية واليزيدية على يد الإرهابيين والمتطرفين. إن البابا وهو يصلي في العراق من أجل السلام، بحاجة إلى التأكد من عدة أمور، منها أن داعش وغيرها من الجماعات الإرهابية لا تمثل الدين الإسلامي، وبالذات المسلمين السنة الذين يرفضون القتل والاختطاف والتدمير باسم الإسلام، ولكن من المؤسف أن تطالعنا التقارير الصحفية الغربية عن هذه الزيارة وهي تتحدث عن معاناة سنة العراق على يد من تطلق عليهم "الجماعات السنية المتطرفة"، ومنها أيضا الدور الإيراني في العراق، فكما أثبت التاريخ المعاصر أن إيران لم تدخل بلدا إلا وحولته إلى دمار بعد أن كان عامرا، ولنا أمثلة واضحة في العراق نفسه وسورية ولبنان واليمن، إن العراق بحاجة إلى العودة إلى عمقه العربي ففي هذا العمق يكمن أمنه القومي.