إدارة بايدن تحاول إعادة أميركا إلى شخصيتها التي فقدتها في زمن ترمب، وإلى بروتوكولاتها التقليدية، فالمعروف أن الإدارة السابقة كانت تفضل التفاهمات خارج القنوات الرسمية، بالإضافة إلى أنها علقت مؤتمرات البيت الأبيض الصحافية، بسبب ثقة الرئيس في منصة تويتر وتشكيكه في الإعلام التقليدي، ويمكن بالتالي النظر إلى الاختلاف بين الإدارتين في مقاربة قضايا السياسة الخارجية، من زاوية أنه تغير على المستوى التكتيكي وليس الاستراتيجي. علاوة على أن الملف اليمني يحتاج إلى توافقات سعودية أميركية، فالمكالمة التي جرت بين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ووزير الدفاع الأميركي الجديد لويد أوستن، أكدت على الشراكة الدفاعية بين الرياضواشنطن، وتضمنت تقديراً خاصاً لالتزام المملكة بالحل السياسي في اليمن، ولا بد من الإشارة إلى أن الحوثي هو من يرفض التفاوض والحلول السلمية، وليس الحكومة الشرعية أو التحالف الذي يدعمها، وبايدن ومن واقع خبرته الطويلة في أروقة السياسة الأميركية، يعرف الحكاية الحوثية بكامل تفاصيلها. من حق بايدن إخبار العالم أنه يختلف عن ترمب، لولا أن فتح مسارات تفاوضية مع الحوثي لن يقدم أو يؤخر، فقراره تحدده طهران، وتستثمره في الضغط على المملكة وحلفائها، وفي تحقيق تقدم في ملف الاتفاق النووي، والرئيس بايدن يؤمن بالحوار وبدبلوماسية الهاتف، ويرفض مبدأ الحلول الخشنة في السياسة الخارجية، وكان قد صوت ضد اعتبار الحرس الثوري الإيراني ميليشيا إرهابية في فترة سابقة، وقبل إلغاء تصنيف الحوثيين كإرهابيين، والتجارب أثبتت أن تجاوب طهران ووكيلها الحوثي مع هذا النوع من الصفقات السياسية، يأتي لكسب الوقت والتقاط الأنفاس، وأن العقوبات الاقتصادية ضد إيران، قيدت تحركاتها التخريبية في المنطقة. الأعجب هو إصرار أميركا وأوروبا والمنظمات الحقوقية، على قضايا حقوق الإنسان في المملكة، وبالمقارنة سنجد أن الإعدامات الشرعية السنوية في المملكة لا تتجاوز 200، بينما تصل أحكام الإعدام وفق القانون الوضعي في ولاية تكساس الأميركية وحدها إلى 500، وتقدر أعداد من ينتظرون أحكاماً بالإعدام في الولاياتالمتحدة بحوالي ثلاثة آلاف شخص، ولا أحد ينتقد، وفي إيران وتركيا يُقتل المتظاهرون في الشوارع، ويمارس تمييز عنصري إيراني على أساس عرقي ضد عرب إيران، في الوظائف وفي الأحكام القضائية وفي الخدمة العسكرية وفي الحقوق المدنية، ولا أحد يتكلم. قبل عشرة أيام استطاع السعوديون استعادة شيء من حرارة العلاقة المتجددة مع أميركا، وبمجرد محادثة هاتفية بين سمو ولي العهد السعودي والرئيس الروسي، فأميركا لن تتحمل خسارة حلفائها الأهم والأثقل، وبدون مشاركة المملكة في المفاوضات النووية الإيرانية، والرجوع عن تحميلها مسؤولية أخطاء الآخرين، وعدم معارضة حقها في الدفاع عن نفسها، فلا قيمة سياسية لكل الروابط المصلحية مع أميركا، والأوجب التركيز على بناء تحالفات وتكتلات عربية والاتجاه شرقاً لخدمة المصالح الوطنية.