تعد الاستشارة الوسيلة التي يهتدي بها الأفراد والمنشآت والحكومات، سواء على صعيد تنظيم العلاقات داخلها وسيطرتها على مواردها وإمكاناتها أو علاقاتها مع البيئة المحيطة بها، والاستشارة رسالة سامية نبيلة الأهداف، حث الإسلام على التناصح وأخذ المشورة من أهل العلم لقوله تعالى "وأمرهم شورى بينهم"، ويحتاج المستشار إلى التسلح بمقومات الخلق الحسن والبحث العلمي والتطوير الذاتي، وفي مقدمة هذه الفضائل الأمانة والشجاعة في إبداء الرأي، والثقة بالنفس، والاستشارة في جوهرها نتاج لتفاعل متعدد المراحل لعلاقة اختيارية بين المستشار والعميل، وتكون الخدمة التي يقدمها المستشار موجهة لحل مشكلة قائمة أو مستقبلية، والحاجة إلى الاستشارة تكون قبل إجراء التصرفات والتعاقدات وليس بعد وجود الخسائر والمشكلات القانونية. وتؤكد الكثير من الأبحاث في مجال الاستشارات أن أهم عوامل نجاح العملية الاستشارية تتلخص في اعتراف العميل بوجود المشكلة والمساعدة من جانبه بتزويد المستشار بالمعلومات والتقارير اللازمة لحلها، فالعميل الأمثل هو الذي يؤمن المعلومات والتقارير للمستشار حتى يتم إنجاز المهمة في زمن أسرع، بمعنى أن توفر الانسجام والثقة بين المستشار والعميل يشكلان عنصراً مهماً من عناصر نجاح العملية الاستشارية. وتجمع معظم الدراسات على أن هنالك خمسة عناصر ناجحة ينبغي اعتمادها عند اختيار المستشار، يجمعها قوله تعالى "إن خير من استأجرت القوي الأمين"، وأول هذه العناصر التكامل الخلقي ويعنى به الأمانة، والاستقامة، والشجاعة، والصدق، والرغبة الحقيقية في إعطاء أفضل النتائج، بالإضافة إلى الفضول المهني الذي يحث على السؤال والاستقصاء لكشف الحقائق الغامضة، وكذلك المسؤولية المهنية والأدبية تجاه العميل لإنجاز العمل فلا يكفي توفر التكامل الخلقي من دون الحماس والرغبة الصادقة لدى المستشار للقيام بالمهمة ومتابعتها وإنهائها بنجاح، ومن أهم العناصر بعد التكامل والمسؤولية هي المقدرة في المستشار وتعرف بالتراكم المعرفي والخبرة والقدرة على سرعة التعلم وإدراك احتياجات العميل، وأن يكون خلاقاً مبدعاً يستطيع الخروج بتوصيات ملائمة، وأفضل مقياس لمقدرة المستشار دقته في فهم المشكلة وصحة أسلوبه في التعامل معها. وتعد شخصية المستشار من أهم العوامل التي ينظر إليها عند اختياره، فاختيار المستشار الذي يمكن الانسجام والتعامل معه يحسن من نتائج العملية الاستشارية، أما الأتعاب فتعد أقل أهمية بالنسبة إلى غيرها من العناصر عند اختيار المستشارين، وهناك عدة معايير يمكن استخدامها لتقدير أتعاب المستشار كالخبرة، وجودة الخدمة، والوقت الذي يقضيه في المهمة، وعدد الموظفين الذين يستخدمهم فيها، ومعدل الأجر لكل حالة. ونخلص إلى أن صناعة الاستشارات علم ومجال متعدد الجوانب وعنصر ومكون أساسي من مكونات التنمية، وهذا يضع الجامعات وغيرها من الجهات ذات العلاقة أمام مسؤولياتها في إعداد وتأهيل العناصر الوطنية القادرة على تقديم خدمات الاستشارات ذات الأغراض المتخصصة والمختلفة، وتوطين صناعة الاستشارات كخيار استراتيجي وطني تمليه احتياجات التنمية.